المخلوقات العظام بأنفسها ولا أن بعضها أوجد بعضا لتساويها فيما قام من دلائل الحدوث فلابد من صانع مريد مختار قادر منزه عن شبه هذه الجملة والا لافتقر إلى موجد آخر وذلك يؤدى إلى التسلل وهو محال عقلا والإثنينية ممتنعة عقلا: "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " فتعين توحيد الموجد الحق وانه ليس كمثله شئ ولما كان الاستدلال بهذه الجمل المفصلة أوضع شئ أتبعها سبحانه بقوله: "فبأى حديث بعد الله وآياته يؤمنون " ولكونه أبسط ما ذكر به من خوطب بالقرآن ثم لم يجد ذلك فى حق من سبق له الشقاء منهم الا المنافرة والمخالفة أعقبت بذكر من ترادفت وتوالت عليه الآيات وكثرت فى حقه الشواهد ثم لم يعقبه ذلك الا الاختلاف والعدول عن سلوك المنهج الواضح وهم الممتحنون بالاختلاف من بنى إسرائيل فقال تعالى: "ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين وآتيناهم
بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن برك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " فاقتضى ذلك ما قدم من بسط الآيات وواضح ما خصه تعالى من واضح الدلالات فى صدر هذه السورة بسط ما منحه بنو إسرائيل وما بين لهم مما أشار إليه قوله تعالى: " وآتيناهم بينات من الأمر " بعد ما ذكر ما أوتوه من الكاب والحكم وتوالى النبوة فيهم وكثرة الرسل منهم وما بسط لهم من الرزق وإدرار النعم فعتوا واعتدوا وقتلوا الأنبياء بغير حق لينفذ فيهم ما قدر على فاعلى ذلك منهم من ضرب الذلة والمسكنة ومسخهم قردة وخنازير ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم فلا يأتلف شملهم ولا تجتمع جماعاتهم إلى يوم القيامة ليعلم المعتبرون بالآيات أنه لا يجرى على أحد الا سابق سعادة ان قدرت له الا ان الانقياد للاعتبار والاذعان لموجب الدلالات عنوان رجاء والمنافرة لذلك عنوان مشقة وهما شاهدا حال والشأن كله فى الخواتم والكتاب والسنة موضحان لهذا الإجمال.
ولما لم يكن تقدم آية سورة يونس من الدلالات مثل ما بسط فى سورة الجاثية من الاعتبار لما يناسبه الواقع فى الجاثية من الاطناب فنوسب الإيجاز بالايحاز والاطناب بالاطناب وجاء كل على ما يجب ويناسب مع اتحاد الممقصود فى السورتين.
الآية العاشرة من سورة يونس قوله تعالى: " وأمرت أن أكون من المؤمنين " وفى سورة النمل: "وأمرت أن أكون من المسلمين " للسائل أن يسأل عن الفرق الموجب لافتراق الوصفين فى الآيتين.