تعطى الاستيفاء وتقتضيه فروعى هنا معناها وروعى فيما تقدم لفظها وقوله سبحانه: "إنك إذا لمن الظالمين " يتضمن من أشد مما يتضمن نفى الولى والواقى والنصير ألا ترى قوله تعالى: "والظالمون ما لهم من الله من ولى ولا نصير ".
فقد انتفى هنا الولى والنصير مع زيادة الوصف بالظلم وليس نفى الظلم حاصلا من انتفاء الولاية والنصرة حصوله بالذكر والتنصيص فهذه الآية أبلغ من الآيتين فناسب ذلك زيادة الاطناب فيما قبلها ولشدة موقعها قدم الله لنبيه ﷺ تنزيهه عن اتباع أهواءهم فقال: "وما أنت بتابع قبلتهم "، فقد وضح افتراق المقاصد المقاصد فى إفراد هذه الآى على الانحاء الثلاثة.
ويحتمل ذلك توجيها آخر ان ثبت أن آية الرعد من المكى وذلك أن المنزل بعد المكى زاده ﷺ فى علم أحكام شريعته وغير ذلك مما لم يكن عنده فترتيب الآى الثلاث بحسب الحاصل عنده ﷺ فكانت آية الرعد أوجزها مناسبة للحاصل قبل نزول سورة البقرة ثم كانت آية البقرة الأولى أبلغ فى الاسهاب لما زاد أيضا ويمكن التقاء التوجيهين وربنا أعلم بما أراد.
الآية الحادية والعشرون: قوله تعالى: "وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا يتى للطائفين والعاكفين والركع السجود " وفى سورة الحج: "وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بى شيئا وطهر بيتى للطائفين والقائمين والركع والسجود ".
للسائل أن يسأل عن تخصيص سورة البقرة بقوله: "والعاكفين " وتخصيص سورة الحج بقوله: "والقائمين " مع اتحاد الأمر بتطهير البيت لمن ذكر فى الموضعين.
والجواب عن ذلك والله أعلم ان المراد بالقائمين هنا ذوو الاقامة والملازمة على صفة مخصوصة وإذا أريد بالقائمين هذا فهو والعكوف مما يصح أن يعبر بأحدهما عن الآخر مع أن لفظ العكوف أخص بالمقصود فيكون خصوص آية الحج بقوله: "والقائمين " لتقدم ذكر العكوف فى قوله تعالى قبل الآية: "سواء العاكف فيه والباد "، فلما تقدم ذكر العكوف متصلا بالآية وقع الاكتفاء بذلك وعدل عن التكرار الذى من شأن العرب العدول عنه الا حيث يراد تعظيم أو تهويل نحو قوله تعالى: "الحاقة ما الحاقة " وشبه ذلك.
ولما لم يقع ذكر العكوف قبل آية البقرة ولا بعدها - وهو مراد لكونه أخص بالمقصود - لم يكن بد من الإفصاح وكأن قد قيل فى سورة الحج:


الصفحة التالية
Icon