وأما آية الحديد فإن قبلها قوله تعالى: "اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم...
الآية " فناسب هذا قوله تعالى: "والله لا يحب كل مختال فخور "
فقد وضحت مناسبة كل آية من هذه لما اتصلت به وإن كان كل آية من هذه المعقبات لا يلائمها غير ما اتصلت به والله أعلم.
وقد وضع فى هذا الجواب جواب السؤال الثانى وهو أن آية البقرة إنما ترتبت على آكلى الربا والمسوين بينه وبين البيع المشروع وهؤلاء صنف واحد ومرتكبهم واحد وأن آية الحديد ترتبت على حكم الخيلاء والفخر وذلك إذا تحقق أيضا راجع إلى الكبر فالمادة واحدة.
أما آية النساء فإن الأولى منها تقتضى بحسب من ذكر فيها واختلاف أحوالهم تفصيل المرتكب وتعداد المطلوب فيها وقد اشتملت على أمر ونهى فناسب اتباع المطلب تأكيد الخبر المترتب عليه من الجزاء فأكد بأن المقتضية تأكيد الخبر وكذلك الآية الثانية لأن خيانة النفس تنتشر مواقعها فتارك الطاعة قد خان نفسه وفاعل المعصية كذلك وأفعال الطاعة كثيرة لا تنحصر وكذلك المخالفات فناسب الكثرة التأكيد وهذا كله بخلاف آية البقرة وآية الحديد فى المرتكب فيهما كما تقدم فجاء كل على ما يناسب والله أعلم.
الآية التاسعة والثلاثون: - قوله تعالى: "لله ما فى السماوات وما فى الارض وان تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " وفى سورة آل عمران: "قل ان تخفوا ما فى صدوركم أو تبدوه يعلمه الله " فتقدم فى هذه الآية ذكر الاخفاء وتأخر فى آية البقرة والحاصل من الآيتين تعريف تاعباد باحاطة علمه سبحانه بما ظهر وما بطن على حد سواء كما قال تعالى: "سواء منكم من أسر القول ومن جهر به " فللسائل أن يسأل عن وجه الخلاف فى الآيتين.
والجواب عنه والله أعلم: أن ابداء الشئ واخفاء خلافه فى المعتقدات صفة المنافقين وبها امتيازهم من غيرهم من الكفرة قال تعالى: "يخفون ما فى أنفسهم ما لا يبدون لك "، وقال تعالى: "واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلو إلى شياطينهم قالوا انا معكم "، وهذا كثير فى القرآن وقد أعلم سبحانه أن المنافقين هم الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين وتوعدهم على ذلك بأليم العذاب قال تعالى: "بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين "، فحذر المؤمنين من ذلك فقال: "يأيها الذين آمنوا