لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا " وقال تعالى: "يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء " إلى غير هذه من الآى فلما تقرر هذا النهى وتكرر وقد تقدم آية آل عمران قوله ناهيا وزاجرا: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين "، وحذر تعالى من ذلك أشد التحذير الا عند التقية فقال تعالى: "ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شئ الا أن تتقوا منهم تقاة "، ثم أتبع تعالى بتأكيد التحذير فقال: "ويحذركم الله نفسه " ثم قال: "والى الله المصير " فلما نهاهم عن المرتكب الذى امتياز المنافقين كان آكد شئ وأهمه إعلامهم بانه سبحانه يعلم ما يخفون كعلمه ما يبدون لبناء المنافقين كفرهم على ما جهلوه من عليه سبحانه بخفيات ضمائرهم والحادهم فى ذلك جهلا بما يجب لله سبحانه وتكذيبا لرسوله ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وان الله علام الغيوب فهذا وجه تقديم الاخفاء فى آية آل عمران وتأمل تقديمه فى الجارى مجرى هذه الآيات كقوله تعالى فى قصة حاطب بن أبى بلتعه رحمه الله: "تسرون إليهم بالمودة وأن أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم "
أما آية البقرة فلم يجر فيها ذكر النفاق ولا صفة أهله وانما الخطاب فيها وفى آية الدين قبلها وقيما أعقبت به بعد للمؤمنين فيما يخصهم من الاحكام فورد فيها قوله تعالى: "وان تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " مقدما فيها بادى أعمالهم بناء على سلامة بواطنهم وتنزههم عن صفة المنافقين ومنه قوله تعالى: "ما على الرسول الا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون "، فتقدم ذكر ما يبدو لأنه خطاب للمؤمنين ومنه قوله تعالى: "ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون " والخطاب للمؤمنين وهذا جار مطرد فيما يلحق بهذا الضرب كما أطرد البدء بالاخفاء على الاعلان حيث يتقدم ذكر أهل الكفار أو ينتظم الكلام بذكرهم كقوله تعالى: "يعلم سركم وجهركم " بعد قوله تعالى: "ثم الذين كفروا برهم يعدلون " وكقوله تعالى: "ويعلم ما تسرون وما تعلنون " بعد قوله تعالى: "هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " وكقوله تعالى: "وان ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون " وقد تقدمها قوله تعالى: "أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون "، فاطرد ما ذكرناه فى الطرفين على رعى الإيمان والنفاق وجاء كل على ما يناسب والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon