إلى بنى إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله وأنبئكم ما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم "، وقال فى المائدة: "وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذنى فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذنى وتبرئ الأكمه والأبرص بإذنى وإذ تخرج الموتى بإذنى..
الآية "، للسائل أن يسأل عن تذكير الضمير وتأنيثه وعن وجه تكرير قوله تعالى: "بإذنى " فى آية المائدة مضافا إلى ضميره سبحانه فى أربعة مواضع مع وجازة الكلام وتقارب ألفاظ الآية وقد جرى هذا الغرض فى آية آل عمران فورد فيها ذلك في موضعين خاصة مضافا من اسمه سبحانه؟
والجواب عن السؤال الأول بعد تمهيد الجواز فى تذكير الضمير فى قوله "فأنفخ فيه " فى الآية الأولى وتأنيثه فى الآية الثانية "فأنفخ فيها " مع اتحاد ما يعود عليه.
فأقول وأسأل الله توفيقه: قال الزمخشرى فى الأولى: "الضمير للكاف أى فى ذلك الشئ المماثل لهيئة الطير فيكون طيرا أى فيصير طائرا كبقية الطيور، وقال فى قوله: "فتنتفخ فيها " الضمير للكاف لأنها صفة الهيئة التى كان يخلقها عيسى وينفخ فيها ولا يرجع إلى الهيئة المضاف إليها لأنها ليست من خلقه ولا نفخه فى شئ قال وكذلك الضمير فى تكون انتهى نص كلامه وهو بين.
وبقى السؤال عن وجه تخصيص كل من الموضعين بالوارد فيه وهو مقصودنا فى هذا الكتاب، وعن وجه التكرار فى قوله تعالى فى سورة المائدة "بإذنى " فى أربعة مواضع مع وجازة الكلام وتقارب ألفاظ الآية؟
الجواب عن وجه التخصيص والله أعلم: أن الترتيب الذى استقر عليه القرآن فى سوره وآياته أصل مراعى وقد تقدم بعض إشارة إلى ذلك ولعلنا سنزيد فى بيانه إن شاء الله وعودة الضمير على اللفظ وما يرجع إليه أولى وعودته على المعنى ثان عن ذلك وكلا التعبيرين عال فصيح فعاد فى آية آل عمران على الكاف لأنها تعاقب مثل وهو مذكر فهذا لحظ لفظى ثم عاد فى آية المائدة إلى الكاف من حيث هى فى المعنى صفة لأن المثل صفة فى التقدير المعنوى فحصل مراعاة المعنى ثانيا على ما يجب كما ورد فى قوله تعالى: "ومن يقنت منكن لله ورسوله " بعودة الضمير من يقنت مذكرا رعيا للفظ "من "، ثم قال: وتعمل بالتاء رعيا للمعنى وهو كثير وقد بينا أن رعى اللفظ فى ذلك هو الأولى فجرى فى آية آل عمران على ذلك لأنها