الآيتين الآخريين: (إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ) فخص بعضهم ولم يعم فهل لذلك موجب؟ فهذان سؤالان.
والجواب: أن هذه اللام فى قولة تعالى: ((ليكفروا))، ((وليتمتعوا)) لام مقصود به التهديد والوعيد كقوله تعالى: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) (فصلت: ٤٠) و (اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ) (هود: ٩٣) وقوله (وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: ٢٩). واذا تقرر هذا فقوله تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ ٠٠٠) (النحل: ٥٣ - ٥٤) خطاب يعم ولا يخص، واذا كان الخطاب يشمل العام الكثير فأبعد شيء أن يكونوا فى تلقيه على حد واحد، بل يكون منهم المقبل والمعرض، فعلى هذا الحكم ورد فى سورتى النحل والروم (إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ)، لان ما تقدم من الخطاب الاخبارى فى قوله: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) الى قوله: (ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ)، وفى قوله فى الروم: (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ) الى قوله: (ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ) عام غير خاص، فقد تفصل تلقيهمنوافترقت احوالهم بشاهد جرى العادة الذى لا ينكسر. واذا تقرر هذا فالوعيد لا يعمهم معنى، بل يخص الفريق المسمى وان عم بلفظه تخويفا لمن عدا ذلك الفريق وليكون ارهب للجميع وان تفصلت احوالهم.
اما قوله تعالى فى سورة العنكبوت: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) (العنكبوت: ٦٥) فليس هؤلاء كل الناس، ولا يتناول الخطاب غير من ذكر، فقوله بعد: (إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)
يتناول جميع من شمله الضمير فى قوله ((ركبوا)) وظاهر الخطاب تساوى هؤلاء فى مرتكبهم، فالوعيد شامل لجميعهم ومتناول جملتهم، فحسن توكيد الوعيد لشموله لهؤلاء المخصومين فقيل: ((وليتمتعوا))، ولم يحسن في المذكورين في آيتي النحل والروم لتفصيل أحوالهم، فجاء كل على ما يجب ويناسب، والله أعلم.
الآية السادسة: غ - قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (النحل: ٦٠)، وفي سورة الروم: (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الروم: ٢٧)، للسائل أن يسأل عما زيد في آية الروم من قوله: (فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) مع أن ذلك مفهوم من الآية الأخرى وملعوم (لايمكن خلافه) وإن يقع به إفصاح في اللفظ؟