الآية الثامنة منها قوله تعالى: (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٥) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (٦٦) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل: ٦٥ - ٦٩)، في هذا ثلاثة سؤلاات: الألو إفراد ((آية)) في الثلاثة مواضع مع أن الثاني منها قد تفصل فيه الاعتبار بذكر الأنعام ولبنها وذكر ثمرات النخيل والأعناب وما يتخذ منها، فيسبق في الظاهر أن الواجب جمع آيات بخلاف الآية الأولى والثالثة (فقد) أفردت فقيل: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، والسؤال الثاني: ما وجه ختام الأولى بقوله: (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)، والثانية (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، والثالثة: (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)؟ والسؤال الثالث: ورود ضمير الأنعام مفرداً في قوله: (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ)، وما الفرق بين هذا وبين الوارد في سورة المؤمنون: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا) (المؤمنون: ٢١) والجواب عن السؤال الأول أن قوله: (لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، راجع إلى قوله: (ومن ثمرات النخيل والاعناب).. الآية، وذلك اعتبار باتخاذ السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والآعناب وهو نوع واحد، وقد أفرد فى قوله: (تتخذون منه) فجاء افراد أية عن ذلك، واما اخراج اللبن من بين الفرث والدم في الآنعام فلا يرجع اليه قوله (ان فى ذلك لآية) اذ قد اغنى عن ذلك قوله: (وان لكم فى الآنعام لعبرة نسقيكم)، فقوله ((لعبرة)) كاف عن ((أية)) ومغن ذلك الغنى. فلا حاجة للجميع بينهما، وانما مرجع أية لما ذكر من المتخذ من ثمرات النخيل والآعناب كما تبين، فليدفع هذا السؤالجملة. وكذلك الآية الآولى الاعتبار فيهابالماء المنزل من السماء، والاعتبار فى الثانية بما تضمنت من أمر النحل والايحاء اليه بما ذكر، فالاعتبار فى كل منها انما وقع بنوع مفرد، وما وقع من تفصيل فمصرفه الى حال أو وصف مع وحدة النوع.
واجواب عن السؤال الثانى: أن وجه مناسبة قوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [النحل: ٦٥] لقوله: (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) [النحل: ٦٥]... الآية، بناء ذلك على المتصل به من قوله: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [النحل: ٦٤]، ثم قال: (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً)، فاتصل ذكر انزال الكتاب بانزال الماء، وما سماه رحمة الا لرحمته عباده به، وماء السماء رحمة، وقد سماه بذلك، وبالمنزل من الكتاب يتذكر اعتبار الرحمة (بالماء) المنزل من السماء، ولا يحتاج