وأما تقديم ذكر القبس في سورة طه على الخبر وتأخيره في السورتين فعنوان بين يعرف أن القصة محكية على معناها لضرورة اختلاف اللغتين ولو ورد الأخبار على التزام التقدين في إحداهما وتأخير الآخر على اللزوم لما أحرز ما ذكرنا.
وأما القبس والجذوة والشهاب من القبس فإن ذلك مما يتصل في لغتنا بمراعاة أدنى شيء يسوغ افتراق التسمية، وذلك كثير في لغتنا كقولهم: سيف وصارم ومهند، وقولهم في التمر طلع وضحك وإغريض وبلح وسياب إلى تمام أحواله العشر، له في كل حالة منها اسم والمسمى واحد، ومتى كان للعرب تعمم بشيء من الموجودات، وكان مما يكثر في كلامهم، وضعوا له عدة أسماء اتساعاً، حتى أنهم قد أنهو بعض المسميات إلى مائة اسم أو نحوها. وإنما ما كان هذا في لغة العرب لاضطرارهم إليه في الشعر والإسجاع، فلو لم تتسع اللغة العربية فيما ذكر لضاق عليهم الأمر واعتاص النظم والنثر، وأقرب شيء (أن) يكون التعبير في تلك اللغة وقع بلفظ واحد لا يعبر في لغتهم عن ذلك المراد المقصود لغيره، وقد أحرز وضع ذلك اللفظ العبراني ما عبر عنه في لغتنا بعدة أسماء، وسواء عني في كل اسم منها معنى ما في المسمى (أو كانت مترادفة على المسمى من غير أن يراعى في شيء منها معنى ما في المسمى).
وأما تكرار: أو آتيكم في سورة النمل فليس فيه إلا تكرار ما يحرزالتأكيد، وتأكيد ما هو خبر ليس أمراً ولا نهياً إنما ثمرته وفائدته صدق الإخبار، وذلك حاصل هنا سواء تأكد أو لم يتأكد وإذا كان الكلام على ما قلنا والصدق حاصل على كل حال فلا ينكر إذا حكي بمعناه. أو يؤكد مرة ولا يؤكد أخرى، إذ لا زيادة للتأكيد فيه سوى الجري على مرتكبات العرب في مثله.
وأما الإفصاح في السورتين الأخريين بالحاجة إلى النار وهو الاصطلاء، ول يقع ذلك في طه، فإن ذلك إخبار بزيادة لا يعارضها شيء مما في سورة طه، فقوله: (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) (طه: ١٠)، فإفصاح بما هو معلوم من قوله في سورة النمل: (سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ) (النمل: ٧)، لأن أهله لم يكن بهم من حاجة لغير الاصطلاء واستعلام طريقهم، فورد في سورة طه مفصحاً بالمقصود مفسراً لما هو مفهوم في آيتي النمل والقصص من معنى الكلام وسياقه، فلا اختلاف في شيء من ذلك كله ولاتعارض ولا خلاف، والحمد لله.
والجواب عن السؤال الثاني: أن تخصيص كل سورة من هذه السور بما ورد فيها مقتضيه بين. أما أولاً فإن فواصل هذه السورة ومقاطع آيها مناسبة للوارد فيها، أما سورة