وضح مناسبة الوارد في الموضعين لما بني عليه، وإن عكس الوارد غير مناسب، والله أعلم بما أراد.
الآية الثانية من سورة المؤمن - قال تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (غافر: ٥٧)، وقال: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ * إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) (غافر: ٥٨ - ٥٩)، ثم قال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ * اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) (غافر: ٦٠ - ٦١)، للسائل أن يسأل عن اختصاص كل آية من هذه الثلاث بما فصلت به؟ فقيل في الأولى: (لَا يَعْلَمُونَ)، وفي الثانية: (لَا يُؤْمِنُونَ)، وفي الثالثة: (لَا يَشْكُرُونَ).
والجواب عن ذلك مجملاً، والله أعلم: أن المخاطبين ممن عقل لو نظروا واعتبروا لعملوا، ولو علموا لآمنوا، ولو آمنوا واستوضحوا النعم لشكروا، وبسط هذا الإجمال أن قوله تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) (غافر: ٥٧) مبسوط الدلالة فى آية البقرة وهى قوله: (نَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ... ) (البقرة: ١٦٤) ثم ورد فى الكتاب العزيز بيان الدلالة بكل فصل من هذه الآيه فقال تعالى: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) (ق: ٦) وقال تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ) (الملك: ٥) وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا) (الانبياء: ٣٢) وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) (الرعد: ٢) الى ما جعل تعالى فيها من آيات الشمس والقمر والنجوم والكواكب السيارة وجريها فى بروجها: (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس: ٤٠) إلى إدخال الليل على النهار والنهار على الليل بتدرج لا يخل الابصار، إلى إنزال القطر من السماء إلى الأرض عند حاجتها فتنبت من كل زوج بهيج وتخرج من أنواع الثمرات مختلفات الألوان والطعوم: (يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) (الرعد: ٤) الى جعل الأرض مهادا، وإرسائها بالجبال، وجرى الأنهار بالمنافع، وتهيئة البحار لرجوع ما يفضل عن حاجة الأرض وعمارها من الحيوان العاقل وغير العاقل إليها، وتسنيد الأرض لجرى المياه


الصفحة التالية
Icon