ملكشاه من بغداد إلى خراسان سألها عن الأحوال الآتية في المستقبل، وذكر ما وقع على وفق إخبارها. قال أبو الفضل بن الخطيب: وإنا قد رأينا أناساً من المحققين في علوم الكلام والحكمة حكوا عنها أنها أخبرت عن الأشياء الغائبة إخباراً على سبيل التفصيل وجاءت تلك الوقائع على وفق خبرها. قال وبالغ أبو البركات في كتاب المعتبر في شرح حالها وقال: تفحصت عن حالها مدة من ثلاثين سنة حتى تيقنت أنها كانت تخبر عن المغيبات إخباراً مطابقاً. ودليل رابع: أنا شاهدنا أصحاب الإلهامات الصادقة، وليس هذا مختصاً بالأولياء بل قد يوجد في السحرة من يكون كذلك، ونري الأخبار النجومية قد تكون مطابقة موافقة للأمور وإن كانوا قد يكذبون في كثير منها، وإذا كان ذلك مشاهداً محسوساً فالقول بأن القرآن مما يدل على خلافة مما يجر إلى الطعن في القرآن وذلك باطل، فعلمنا أن الأولى الصحيح ما ذكرناه، والله أعلم.
ونشير إلى ما قدم قبل كلامه هذا وهو أن قوله تعالى (على غيبة) ليس فيه عموم، فيكفي في مقتضاه ألا يطلع سبحانه ولا يظهر خلفه على غيب واحد من غيوبه، فيحمل على وقت وقوع القيامة، فيكون المراد من الآية عقب قوله: (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا) (الجن: ٢٥) يعن وقوع القيامة، فإنه من الغيب الذي لا يظهره الله لأحد بالجملة، فقوله: " على غيبه" لفظ مفرد مضاف فيكفي في العمل به إرادة غيب واحد، وأما العموم فليس في الآية لفظ يدل عليه. انتهى معنى كلام أبي الفضل، رحمة الله. وقد تحصل مضمنة فيما تقدم بأوفى مما أوردنا من كلامه.
فإن قلت: قد تبين ما بين الضربين من العموم والخصوص، واتضحت الحال فيهما، فما وجه انتظام ما ورد في آية لقمان مع ذكر الساعة، وظاهر ما تقدم من التأويل حاكم بالفرق، وإن أمر الساعة يخالف بخصوصه ما ذكر معها من الأربع، والحديث الصحيح قد ورد على مقتضى ظاهر الآية حين ذكر، عليه السلام، مجيباً للسائل فأتبع بقوله: في خمس لا يعلمهن إلا الله، وذلك ملحق لهذه الأربع، بحكم الساعة في خصوص غيبها؟
فأقول، وأسأل الله توفيقه: إن الحديث الصحيح مشير إلى هذه الغيوب، وإنها في استعلامها والإطلاع علي ما شاء تعالى أن يطلع عليه منها ليست على منهج واحد، ألا ترى أن منها أموراً يعظم موقعها في العالم ويعم ويخص كتقلب الدهور والدول وتغير الحالات التي تعم وما يرجع إلى هذا، وهذه هي المرادة بحديث ابن عباس الذي أخرجه الترمذى، قال: " بينما رسول الله صلي الله عليه وسلم جالس في نفر من أصحابه إذ رمى