بنجم فاستنار، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية إذا رأيتموه؟ قالوا: كنا نقول: يموت عظيم أو يولد عظيم، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم فإنه لا يرمي به لموت واحد ولا لحياته ولكن ربنا تبارك اسمه وتعالى إذا قضى أمراً سبح حملة العرض وسبح أهل السماء الذين يلونهم ثم الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح إلى هذه السماء، ثم يسأل أهل السماء السادسة أهل السماء السابعة ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم، ثم يستخبر أهل كل سماء حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا وتختطف الشياطين السمع فيرمون - يعنى بالشهب - فيقذفون على أوليائهم فما جاؤوا به على وجه فهو حق، ولكنهم يحرفونه ويزيدون". وفي حديث أبي هريرة الذي خرجه البخاري، وهو أن نبي الله صلي الله عليه وسلم قال: إذا قضي الله الأمر في السماء ضربت (الملائكة) بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا؟ قال ربكم، قالوا: للذي قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعهما مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، وصفه سفيان بكفه فحرقها وبدد بين أصابعه، فيسمع الكلمة ويلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا وكذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التى سمعت من السماء".
قلت: وهذان الحديثان وما ورد من مثلهما معرفة بقضايا ترتج لها السماوات وتستطلعها الملائكة السبع بجملتها وتختطفها الشياطين مترصدين لتلقفها، ولا يختص بها صنف من الملائكة عن غيرهم، إما ما يتكرر في عالم الغيب من الكون والفساد، من متوالي إيجاد الآحاد، وتكرر نزول الأمطار. وشبه ذلك، فلا يستطلعها من الملائكة إلا آحاد وكلوا بها، وإن تكاثروا عدداً فليس ذلك كالمتقدم في الحديثين لعظيم عمومه، من ذلك حديث ابن مسعود: " يجمع خلق أحدكم في بطن أمة أربعين يوماً ثم يكون علقة ثم يكون مضغة، إلى قوله في الحديث: أذكر أم أنثي أشقي أم سعيد... الحديث، وكما أشار إليه حديث " " (بياض بالاصل) وقوله فيه: اسق حديقة فلان، إلى ما يرجع إلى هذا القبيل، ولا توقف في أن أربعة الغيوب المذكورة مع الساعة في سورة لقمان راجعه إلى قبيل ما ذكرنا، وذلك كله ليس من تلك المقدورات العامة، بل هى بالنسبة إلى تلك جزئيات يعلمها من وكيل بها من الملائكة، ولا يستخبرها أهل السماوات، ولا تترصدها الشياطين ترصد تلك القضايا العامة، وصحيح الحديث قاض بالفرق البين.