ثم يتأمل الحياة فيمن يولد من حوله.. ويتفكر فى الموت فى من يذهب عنه ليدفن فى باطن الأرض.. ما السّر وراء كل ذلك؟!
وها هي الآثار الأدبية للإنسان المصرى القديم تحدثنا عن هذه التأملات الفكرية المتقدمة فى تلك المنظومة الرائعة للوزير «حتب» الكاهن المصرى الفرعونى، والتى سجلها فى «كتاب الموتى» حيث يقول:
«إن الموتى الذين ذهبوا لم يعد واحد منهم من «الأبديّة» ليحدثنا بما جرى لهم حتى يسعد قلوبنا.. فدع عقلك ينسى هذا، واتبع رغبات قلبك ما دمت حيّا، وتمتّع بأطايب الحياة قبل أن يأتى «يوم الآخرة».. فالمرء لا يأخذ متاعه، والذاهب لا يعود».
ولا أحسب أن ذلك الإنسان القديم.. قدم التاريخ.. وهو يقدم لنا هذا الفكر المتواضع كان يدرك- وهو يفعل هذا- أنه إنما ينمّى غريزة كامنة فى نفسه، ألا وهى غريزة التدين!
فكما أن علماء الاجتماع توصلوا إلى أن الإنسان «مدنى بطبعه» فإن علماء الأديان يحق لهم أن يقولوا أيضا: «إن الإنسان متدين بطبعه».. !
وغريزة التدين شأنها شأن سائر الغرائز التى أودعها الله فى الإنسان كغريزة الجوع، وغريزة العطش، وغريزة التّمدن، وغريزة حبّ التملك، وغيرها من الغرائز التى تطالب الإنسان أن يسعى إلى إشباعها، وسدّ مطالبها واحتياجاتها.
فغريزة الجوع: تدفعه إلى العمل، والسعى فى الأرض للحصول على الرزق الذى يهيئ له الطعام ليسد به غائلة جوعه، ويشبع به هذه الغريزة.
وغريزة العطش: تدفعه إلى البحث عن الماء، وتنمية موارده وتخزينه، واستعماله عند الضرورة والحاجة.
وغريزة التّمدّن: جعلته يشعر بالحاجة إلى أخيه من بنى الإنسان، وأنه لا


الصفحة التالية
Icon