واعتصمت كلّ أمة بإله تناجيه، وتلوذ به.
عرف أن العرب قبل الإسلام كانوا يعبدون الأصنام.. فصنعوها من الحجر، والخشب ثم ما لبثوا أن صنعوها من العجوة، وكانوا يحملونها فى أسفارهم حتى إذا جاعوا جلسوا إلى شجرة فأكلوا منها ثم سجدوا لها شاكرين.
وقد ذكروا أن أعرابيا مسافرا أكل من عجوة صنمه شيئا، ثم قام يقضى حاجته بعيدا، فجاء ثعلب من الثعالب يطوف حول متاع الأعرابى والصنم قائم عند المتاع، فأخذ الثعلب يشم رائحة الصنم يستسيغ أكله فلم يسغه، لأن الثعالب من فصيلة الكلاب.. تأكل ما يأكله الكلب، وتبول كما يبول الكلاب، فما كان من الثعلب- وقد استقذر- رائحة الصنم إلا أن رفع رجله وبال على رأسه والأعرابى يرقبه فى حذر ودهشة. فلما انتهى الثعلب من فعلته، وأفاق الأعرابى من دهشته، قام إلى متاعه فحمله، وإلى صنمه فداسه، ثم أنشد على فطرته السليمة هاتفا:
أربّ يبول الثّعلبان برأسه؟... لقد ذلّ من بالت عليه الثّعالب (١)
ومثله ذلك الأعرابى على فطرته السليمة.. وغريزته البصيرة، وقد نظر فى ما حوله من صحراء مترامية الأطراف، ترتمى فى أحضان أرض بعيدة المدار..
تعلوها سماء تتعانق معهما عند مدّ البصر، ذات نجوم وأبراج، فما لبث يفكر فى عظمة هذا الخلق، ويردّه بفطرته إلى يد الخالق فيقول:
«سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج.
البعرة تدل على البعير، والقدم يدل على المسير.
أفلا يدل هذا على الحكيم الخبير»
... ؟

(١) تاج العروس ٢/ ٩٠.


الصفحة التالية
Icon