كما اعتمد تفسيره صلّى الله عليه وسلّم على ما كان «يوقفه الوحى» عليه من التفسير، كما فى قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١)؛ قال صلّى الله عليه وسلّم؛ الكوثر «نهر فى الجنة أعطانيه ربّى» (٢).
أو ما كان ينزل لسبب من الأسباب الكثيرة الواردة فى مظانها المختلفة من علم التفسير.
ولم يكن ثمّة حاجة إلى تدوين التفسير فى عهده صلّى الله عليه وسلّم لبواعث هامة اقتضتها النبوة، وهى النّهى عن تدوين شىء «غير القرآن» آنذاك، وهو باعث لا يدركه إلا النبىّ بينما يلوكه بالنقد من يجهل مثل هذا الباعث الهام.
ولكن المتفحص لهذا الباعث يرى أنه من قبيل الإرهاصات النبوية للمستقبل، فعدم تدوين شىء من تفسير النبىّ صلّى الله عليه وسلّم، أو شىء من أحاديثه فى غير مجال التفسير، أفسح المجالات الواسعة لظهور علوم الحضارة الإسلامية، وهى مئات العلوم.
لأنه لمّا لم تدوّن علوم القرآن، ولا علوم الحديث؛ ظهر الافتيات على الأمة ورسولها بظهور الكذابين، والوضاعين، فقام الجهابذة من العلماء لوضع القوانين العلمية الضابطة لعلوم القرآن، ولعلوم الحديث، ولولا ذلك ما شحذت الهمم لمثل هذا القيام.
وكان أول ما ظهر علم تفسير القرآن الذى صار بعد ذلك محتاجا إلى إظهار كافة علوم القرآن علما علما.
فالمفسّر صار يحتاج فى تفسيره إلى معرفة، القراءات الواردة عن المعصوم صلّى الله عليه وسلّم لأن هذه القراءات بمثابة بيان للقرآن، وتفسير له.
واحتاج فى تفسيره إلى معرفة علوم نزوله: كالمكى والمدنى، وما نزل أولا، وما نزل آخرا؛ وغير ذلك من علوم القرآن.
وكان كلما تباعد الزمان عن وقت نزول الوحى قلّت الحاجة إلى ذلك فى زمن التنزيل لقربهم من التعامل الذاتى مع الوحى، وشارحه المكلف بالبيان وهو
(٢) صحيح البخارى بحاشية السندى ٣/ ٢٢١.