فاعلم أن عليا- كرم الله وجهه- ثالث الأربعة فى ترتيب المكثرين. وقد جمع- كرم الله وجهه- إلى جانب مهارتى القضاء والفتيا العلم بالقرآن بشهادته عن نفسه، وشهادة علماء الصحابة- خاصة المفسرين منهم- عنه. أما شهادته عن نفسه فيقول: «سلونى، فو الله لا تسألوننى عن شىء إلا أخبرتكم، وسلونى عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم: أبليل نزلت أم بنهار، أم فى سهل أم فى جبل».
وأخرج أبو نعيم فى «الحلية» عنه: «والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت، وأين نزلت، وإن ربي وهب لى قلبا عقولا، ولسانا سئولا» (١).
وأما شهادة علماء الصحابة له: قال فيه عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: «إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن، وإن علىّ بن أبى طالب عنده منه الظاهر والباطن» (٢).
مرويات علىّ- كرم الله وجهه- ومدى صحتها:
لو أننا نظرنا بمنظار غير منظار التثبت من العلم لوضعنا «عليا» - كرم الله وجهه- قبل ابن عباس فى كثرة ما روى عنهما من تفسير. فقد بلغ ما روى عن علىّ- كرم الله وجهه- حدا من الكثرة لا تليق بوضعه فى المرتبة الثالثة بين المكثرين، ولكن النظرة الموضوعية العلمية التى جعلت الباحثين يضعون الإمام عليا فى المرتبة الثالثة هى النظر فقط إلى ما صحّ من الروايات عنه، وإلا فإن المغالين الذين أسرفوا فى حبّهم له، هم السبب فى اختلاق أكثر الروايات التى نسبت إليه فى التفسير مما جعل القيمة العلمية لهذه الروايات لا ترتقى إلى مرتبة الوثوق بها.
ولذلك يقول الدكتور محمد حسين الذهبى: «لم يعتمد أصحاب الصحيح فيما

(١) التفسير والمفسرون ١/ ٨٩ - ٩١.
(٢) المصدر السابق.


الصفحة التالية
Icon