مِنْ أَصْلَابِكُمْ، يُحْتَرَزُ بِذَلِكَ عَنِ الْأَدْعِيَاءِ الَّذِينَ كانوا يتبنونهم في الجاهلية. قال ابن جريرج: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ﴾ قَالَ: كُنَّا نُحَدِّثُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَكَحَ امْرَأَةَ زَيْدٍ قَالَ الْمُشْرِكُونَ بِمَكَّةَ فِي ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ﴾ ونزلت: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أبناءكم﴾، وَنَزَلَتْ: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِجَالِكُمْ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَإِن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ الآية، أي وحرم عليكم الجمع بن الْأُخْتَيْنِ مَعًا فِي التَّزْوِيجِ وَكَذَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْكُمْ فِي جَاهِلِيَّتِكُمْ فقد عفونا عنه وَغَفَرْنَاهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَثْنَوِيَّةَ فِيمَا يستقبل لأنه استثنى مما سلف، كما قال: ﴿وَلاَ يذوقون فيه الموت إِلاَّ الموتة الأولى﴾ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ أَبَدًا، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَالْأَئِمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي النِّكَاحِ، وَمَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ خُيِّرَ فَيُمْسِكُ إِحْدَاهُمَا وَيُطَلِّقُ الْأُخْرَى لَا محالة، قال الإمام أحمد: عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ فَيْرُوزَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اسلمت وعند امْرَأَتَانِ أُخْتَانِ فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أن أطلق إحداهما، وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: «اختر أيتهما شئت» (أخرجه أحمد والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن) وعن أَبِي خِرَاشٍ الرُّعَيْنِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي أُخْتَانِ تَزَوَّجْتُهُمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ: «إِذَا رَجَعْتَ فَطَلِّقْ إحداهما». وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فحرام أيضاً لعموم الآية، وروى ابن أبي حاتم عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَكَرِهَهُ، فَقَالَ لَهُ - يَعْنِي السائل - يقول الله تعالى: ﴿إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ﴾، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مسعود رضي الله تعالى عنه: وَبَعِيرُكَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينَكَ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ بعض السلف قد توقف في ذلك، وقال الإمام مالك: سأل رجل (عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانٍ) عَنِ الْأُخْتَيْنِ فِي مِلْكِ اليمين هل يجع بَيْنَهُمَا؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وما كنت لأمنع ذَلِكَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ لِيَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ ثُمَّ وَجَدْتُ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ لجعلته نكالاً، وقال مَالِكٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَرَاهُ عَلِيَّ بْنَ أبي طالب.
وعن إِيَاسُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أبي طالب فَقُلْتُ: إِنَّ لِي أُخْتَيْنِ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينِي اتَّخَذْتُ إِحْدَاهُمَا سُرِّيَّةً فَوَلَدَتْ لِي أَوْلَادًا ثُمَّ رَغِبْتُ فِي الْأُخْرَى فَمَا أَصْنَعُ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَعْتِقُ الَّتِي كُنْتَ تَطَأُ ثُمَّ تَطَأُ الْأُخْرَى، قُلْتُ: فَإِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ بَلْ تزوّجُها ثُمَّ تَطَأُ الْأُخْرَى، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَرَأَيْتَ إِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا أَلَيْسَ تَرْجِعُ إِلَيْكَ؟ لَأَنْ تَعْتِقَهَا أَسْلَمُ لَكَ، ثُمَّ أَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِي فَقَالَ لِي: إِنَّهُ يحرم عليك مما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مَا يَحْرُمُ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عزَّ وَجَلَّ مِنَ الْحَرَائِرِ إِلَّا الْعَدَدَ أَوْ قَالَ إِلَّا الْأَرْبَعَ وَيَحْرُمُ عَلَيْكَ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ من النسب (رواه ابن عبد البر في الاستذكار) ثم قال أبو عمر: هذا الحديث لو رحل رجل ولم يصب من أقصى المغرب والمشرق إلى مكة غيره لما خابت رحلته. وروى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَحْرُمُ مِنَ الْإِمَاءِ ما يحرم من الحرائر إلا العدد، وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي الْوَطْءِ كَمَا لَا يَحِلُّ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ، وَقَدْ أجمع المسلمون على أن معنى قوله: ﴿حرمت عليكم أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ﴾ إلى آخر


الصفحة التالية
Icon