عَلَيْهَا أَوْ يُتَوَفَّوْنَ عَنْهَا وَلَا وَارِثَ لَهُمْ، وَالْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ هَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشافعي، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُطْلِقُ الْفَيْءَ عَلَى مَا تطلق عليه الغنيمة والعكس أيضاً، ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَإِنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ تَوْكِيدٌ لِتَخْمِيسِ كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ حَتَّى الْخَيْطِ وَالْمَخِيطِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة﴾ الآية، وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِن للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ ههنا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِلَّهِ نَصِيبٌ مِنَ الْخُمُسِ يُجْعَلُ في الكعبة. وقال آخرون: ذكر الله ههنا استفتاح كلام للتبرك، وسهم لرسوله صلى الله عليه وسلم. قال ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً فَغَنِمُوا خمَّس الْغَنِيمَةَ، فَضَرَبَ ذَلِكَ الْخُمُسَ فِي خَمْسَةٍ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَإِنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾، فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ: مفتاح الكلام ﴿لِلَّهِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾، فَجَعَلَ سَهْمَ اللَّهِ وَسَهْمَ الرسول ﷺ واحداً (وهو قول النخعي والحسن البصري والشعبي وعطاء وقتادة وغيرهم)، ويؤيد هذا ما رواه الحافظ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شقيق عن رجل قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِوَادِي الْقُرَى، وَهُوَ يَعْرِضُ فَرَسًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي الْغَنِيمَةِ؟ فقال: «لله خمسها وأربعة أخماسها لِلْجَيْشِ» قُلْتُ فَمَا أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: «لَا وَلَا السَّهْمُ تَسْتَخْرِجُهُ مِنْ جيبك لَيْسَ أَنْتَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ».
وقال ابن جرير عن الحسن قال: أوصى الحسن بِالْخُمُسِ مِنْ مَالِهِ، وَقَالَ: أَلَا أَرْضَى مِنْ مالي بما رضي الله لنفسه؛ وعن عطاء قَالَ: خُمُسُ اللَّهِ وَالرَّسُولِ وَاحِدٌ يَحْمِلُ مِنْهُ وَيَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا أَعَمُّ وَأَشْمَلُ، وَهُوَ أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَصَرَّفُ فِي الْخُمُسِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ بِمَا شَاءَ وَيَرُدُّهُ فِي أُمَّتِهِ كَيْفَ شَاءَ. وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا رواه الإمام أحمد عن المقادم بن معد يكرب الْكِنْدِيِّ: أَنَّهُ جَلَسَ مَعَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَالْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْكِنْدِيِّ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَتَذَاكَرُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال أبو الدراء لِعُبَادَةَ: يَا عُبَادَةُ كَلِمَاتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا فِي شَأْنِ الْأَخْمَاسِ، فَقَالَ عُبَادَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صلى بهم فِي غَزْوَةٍ إِلَى بَعِيرٍ مِنَ الْمَغْنَمِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنَاوَلَ وَبَرَةً بَيْنَ أُنْمُلَتَيْهِ فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ مِنْ غَنَائِمِكُمْ، وَإِنَّهُ لَيْسَ لِي فِيهَا إلا نصيبي معكم الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ، فَأَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ، وَأَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ وَأَصْغَرَ، وَلَا تَغُلُّوا، فَإِنَّ الغلول عار ونار عَلَى أَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَجَاهِدُوا النَّاسَ فِي اللَّهِ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ، وَلَا تُبَالُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَأَقِيمُوا حُدُودَ اللَّهِ فِي السفر والحضر، وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ، فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ عظيم ينجي الله به من الهم والغم» (قال ابن كثير: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ عَظِيمٌ وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وله شواهد). وعن عمرو بن عنبسة أن رسول الله ﷺ صَلَّى بِهِمْ إِلَى بَعِيرٍ مِنَ الْمَغْنَمِ، فَلَمَّا سلم أخذ وبرة من هذا الْبَعِيرِ ثُمَّ قَالَ: «وَلاَ يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ مِثْلَ هَذِهِ إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عليكم» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ). وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ من الغنائم شيء يصطفيه لنفسه عبد أو أمة أو فرس أو سيف أو نحو ذلك، كما نص عليه مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، وَتَبِعَهُمَا عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَفَّلَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحد. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا