قَالَتْ: كَانَتْ صَفِيَّةُ مِنَ الصَّفِيِّ (رَوَاهُ أبو داود في سننه)، وعن يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا بِالْمِرْبَدِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مَعَهُ قِطْعَةُ أَدِيمٍ فَقَرَأْنَاهَا فَإِذَا فِيهَا: «مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى بَنِي زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ، إِنَّكُمْ إِنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَأَدَّيْتُمُ الخمس من المغنم، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم، وَسَهْمَ الصَّفِيِّ، أَنْتُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»، فَقُلْنَا: مَنْ كَتَبَ لَكَ هَذَا؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رواه أبو داود والنسائي). فهذه أحاديث جيدة تدل على تقرير هَذَا وَثُبُوتِهِ، وَلِهَذَا جَعَلَ ذَلِكَ كَثِيرُونَ مِنَ الْخَصَائِصِ لَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ الْخُمُسَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الْفَيْءِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَكْثَرُ السَّلَفِ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَعُلِمَ فَقَدِ اخْتُلِفَ أيضاً في الذي كان يناله مِنَ الْخُمُسِ مَاذَا يُصْنَعُ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ؟ فَقَالَ قَائِلُونَ: يَكُونُ لِمَنْ يَلِي الْأَمْرَ مِنْ بعده، وَقَالَ آخَرُونَ: يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ مَرْدُودٌ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ سَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى مَرْدُودَانِ عَلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَذَلِكَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْخُمُسَ جَمِيعُهُ لِذَوِي الْقُرْبَى، ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَيْنَ السَّهْمَيْنِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَائِلُونَ: سَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يُسلّم للخليفة من بعده، وقال آخرون: لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ آخرون: سهم القرابة لقرابة الخليفة، واجتمع رأيهم أَنْ يَجْعَلُوا هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ فِي الْخَيْلِ وَالْعُدَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَكَانَا عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. قَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ يَجْعَلَانِ سَهْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الكُرَاع وَالسِّلَاحِ، فَقُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: مَّا كَانَ عليَّ يقول فيه؟ قال: كان أَشَدَّهُمْ فِيهِ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَأَمَّا سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى فإنه يصرف إلى (بني هاشم) و (بني الْمُطَّلِبِ) لِأَنَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَازَرُوا بَنِي هَاشِمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَدَخَلُوا مَعَهُمْ فِي الشِّعْبِ غَضَبًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِمَايَةً لَهُ،
مُسْلِمُهُمْ طَاعَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَكَافِرُهُمْ حَمِيَّةً لِلْعَشِيرَةِ وَأَنَفَةً وَطَاعَةً لِأَبِي طَالِبٍ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَأَمَّا بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنُو نَوْفَلٍ، وَإِنْ كانوا بني عمهم فلم يوافقوا على ذلك، بل حاربوهم ونابذوهم، ومالأوا بطون قريش على حرب الرسول.
وقال جبير بن مطعم: مشيت أنا وعثمان بن عفان، إلى رسول الله ﷺ فقلنا: يا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيتُ بني عبد الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ: «إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وبنو المطلب شيء واحد» (رواه البخاري في عدة أبواب). وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ: «إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ»؛ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ بَنُو هاشم، ثم روي عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ فِي بَنِي هَاشِمٍ فَقُرَاءَ، فَجَعَلَ لَهُمُ الْخُمُسَ مَكَانَ الصَّدَقَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: هُمْ قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ لا تحل لهم الصدقة؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَغِبْتُ لَكُمْ عَنْ غُسَالَةِ الْأَيْدِي،
لِأَنَّ لَكُمْ مِنْ خُمُسِ


الصفحة التالية
Icon