الإحسان إلا الإحسان}؟ وقوله: ﴿وَزِيَادَةٌ﴾ هي تضعيف ثواب الأعمال ويشمل ما يعطيهم الله في الجنة مِنَ الْقُصُورِ وَالْحُورِ وَالرِّضَا عَنْهُمْ، وَمَا أَخْفَاهُ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ، وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْلَاهُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ،
فَإِنَّهُ زِيَادَةٌ أَعْظَمُ مِنْ جَمِيعِ مَا أُعْطُوهُ لَا يَسْتَحِقُّونَهَا بِعَمَلِهِمْ بَلْ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَقَدْ رُوِيَ تَفْسِيرُ الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم الجمهور من السلف والخلف، روى الإمام أحمد عن صهيب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾، وَقَالَ: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى منادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ، فَيَقُولُونَ: وَمَا هُوَ ألم يثقل موازيننا؟ ألم يبيض وجوهنا؟ ويدخلنا الجنة ويجرنا مِنَ النَّارِ؟ - قَالَ: فَيَكْشِفُ لَهُمُ الْحِجَابَ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ وَلَا أَقَرَّ لِأَعْيُنِهِمْ" (أخرجه أحمد ورواه مسلم وجماعة من الأئمة).
وعن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُنَادِيًا يُنَادِي: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ - بِصَوْتٍ يُسْمِعُ أَوَّلَهُمْ وآخرهم - إِنَّ الله وَعَدَكُمْ الحسنى
وزيادة، فالحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن عزَّ وجلَّ" (أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم). وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قَوْلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ قَالَ: "الْحُسْنَى: الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وجه الله عزَّ وجلَّ"، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ﴾ أَيْ قَتَامٌ وَسَوَادٌ فِي عَرَصَاتِ الْمَحْشَرِ، كَمَا يَعْتَرِي وُجُوهَ الْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ مِنَ الْقَتَرَةِ وَالْغَبَرَةِ، ﴿وَلاَ ذِلَّةٌ﴾ أي هوان وصغار، بَلْ هُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ: ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾ أَيْ نَضْرَةً فِي وُجُوهِهِمْ وَسُرُوراً فِي قُلُوبِهِمْ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ آمِينَ.
- ٢٧ - وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
لَمَّا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حَالِ السُّعَدَاءِ الَّذِينَ يُضَاعِفُ لهم الحسنات عطف بذكر حال الأشقياء، فذكر تعالى عدله فِيهِمْ وَأَنَّهُ يُجَازِيهِمْ عَلَى السَّيِّئَةِ بِمِثْلِهَا لَا يَزِيدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، ﴿وَتَرْهَقُهُمْ﴾ أَيْ تَعْتَرِيهِمْ وَتَعْلُوهُمْ ذِلَّةٌ مِنْ مَعَاصِيهِمْ وَخَوْفِهِمْ مِنْهَا، كَمَا قَالَ: ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذل﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿مهطعين مقنعي رؤوسهم﴾ الآية، وَقَوْلُهُ: ﴿مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ أي مانع ولا واقٍ يقيهم العذاب، كقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الإنسان يؤمئذ أَيْنَ المفر * كَلاَّ لا وزر﴾، وقوله: ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ﴾ الآية إِخْبَارٌ عَنْ سَوَادِ وُجُوهِهِمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾، وقوله تَعَالَى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غبرة﴾ الآية.
- ٢٨ - وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ ما كنتم