عليه الشقاوة وهو الفعال لما يشاء، ﴿إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * فَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ أَيْ آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ وَصَدَقُوا إِيمَانَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ، ﴿لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ أَيْ مَغْفِرَةٌ لِمَا سَلَفَ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ، وَمُجَازَاةٌ حَسَنَةٌ عَلَى القليل من حسناتهم، قال القرظي (هو محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه): إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ فَهُوَ الْجَنَّةُ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْاْ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يُثَبِّطُونَ النَّاسَ عَنْ مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿مُعَاجِزِينَ﴾ مُرَاغِمِينَ ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ وَهِيَ النار الحارة الوجعة، الشديد عذابها ونكالها أجارنا الله منها.
- ٥٢ - وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نبيٌّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
- ٥٣ - لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
- ٥٤ - وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مستقيم
قد ذكر كثير من المفسرين ههنا (قِصَّةَ الْغَرَانِيقِ) وَمَا كَانَ مِنْ رُجُوعِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُهَاجِرَةِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ظَنًّا مِنْهُمْ أن مشركي قريش قد أسلموا، وخلاصتها عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ «النَّجْمَ» فَلَمَّا بَلَغَ هَذَا الْمَوْضِعَ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ قَالَ: فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لسانه: «تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى»، قَالُوا: مَا ذَكَرَ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ قَبْلَ الْيَوْمِ فَسَجَدَ وَسَجَدُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نبيٌّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾؛ وَقَدْ ذَكَرَهَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ بنحو من هذا، وكلها مرسلات ومنقطعات والله أعلم. وقد ساقها البغوي في تفسيره ثم سأل ههنا سُؤَالًا: كَيْفَ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا مَعَ الْعِصْمَةِ المضمونة من الله تعالى لرسوله صلاة اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ؟ ثُمَّ حَكَى أَجْوِبَةً عَنِ النَّاسِ، مِنْ أَلْطَفِهَا: أَنَّ الشَّيْطَانَ أَوْقَعَ فِي مَسَامِعِ الْمُشْرِكِينَ ذَلِكَ، فَتَوَهَّمُوا أَنَّهُ صَدَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلْ إِنَّمَا كَانَ من صنيع الشيطان، لا عن رَسُولِ الرَّحْمَنِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أعلم. وَقَوْلُهُ: ﴿إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ هذا فيه تسلية من الله لرسوله صلاة الله وسلامه عليه، قَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثِهِ، فَيُبْطِلُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ﴿ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ﴾. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿إِذَا تَمَنَّى﴾ يَعْنِي إِذَا قَالَ؛ ويقال أمنيته قراءته ﴿إِلاَّ أَمَانِيَّ﴾ يقرؤون وَلَا يَكْتُبُونَ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿تَمَنَّى﴾ أَيْ تَلَا وَقَرَأَ كِتَابَ اللَّهِ ﴿أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ أَيْ فِي تِلَاوَتِهِ، قَالَ الشَّاعِرُ فِي عُثْمَانَ حِينَ قُتِلَ:
تمنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ * وَآخِرَهَا لَاقَى حِمَام الْمَقَادِرِ
وَقَالَ الضَّحَّاكُ ﴿إِذَا تَمَنَّى﴾: إِذَا تَلَا، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بتأويل الكلام.
وقوله تعالى: ﴿فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾ حَقِيقَةُ النَّسْخِ لغة الإزالة والرفع، قال ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ فَيُبْطِلُ


الصفحة التالية
Icon