قَالَ: ﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ﴾ يَعْنِي كِتَابَ الْأَعْمَالِ، ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ أَيْ لَا يُبْخَسُونَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا، وَأَمَّا السَّيِّئَاتُ فَيَعْفُو وَيَصْفَحُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْهَا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ قَالَ مُنْكِرًا عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ﴾ أي في غَفْلَةٍ وَضَلَالَةٍ مِنْ هَذَا، أَيِ الْقُرْآنُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ
مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ قال ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ﴾ أَيْ سَيِّئَةٌ مِن دُونِ ذَلِكَ يَعْنِي الشِّرْكَ
﴿هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾، قال: لا بد أن يعملوها، وَقَالَ آخَرُونَ ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾: أي قد كتبت عَلَيْهِمْ أَعْمَالٌ سَيِّئَةٌ لَا بُدَّ أَنْ يَعْمَلُوهَا قَبْلَ مَوْتِهِمْ لَا مَحَالَةَ لِتَحِقَّ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ العذاب (وروي نحو هذا عن مقاتل والسدي وابن أَسْلَمَ)؛ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَوِيٌّ حَسَنٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا»، وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ يعني حتى إِذَا جَآءَ مترفيهم - وهم الْمُنَعَّمُونَ فِي الدُّنْيَا - عذابُ اللَّهِ وبأسُه ونقمتُه بهم ﴿إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ أي يصرخون ويستغيثون، كما قال تعالى: ﴿ذرني والمكذبين أُوْلِي النعمة ومهلهم قليلاً﴾، وقال تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قلبهم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مناص﴾، وقوله: ﴿لاَ تَجْأَرُواْ الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ﴾ أَيْ لَا يجيركم أحد مِمَّا حَلَّ بِكُمْ سَوَاءٌ جَأَرْتُمْ أَوْ سَكَتُّمْ لَا مَحِيدَ وَلَا مَنَاصَ وَلَا وَزَرَ، لَزِمَ الْأَمْرُ وَوَجَبَ الْعَذَابُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَكْبَرَ ذُنُوبِهِمْ فَقَالَ: ﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ﴾: أَيْ إِذَا دُعِيتُمْ أَبَيْتُمْ وَإِنْ طُلِبْتُمُ امْتَنَعْتُمْ، ﴿ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَالْحُكْمُ للَّهِ الْعَلِيِّ الكبير﴾، وقوله: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ﴾ الضمير للقرآن كَانُوا يَسْمُرُونَ وَيَذْكُرُونَ الْقُرْآنَ بِالْهَجْرِ مِنَ الْكَلَامِ: إِنَّهُ سِحْرٌ، إِنَّهُ شِعْرٌ، إِنَّهُ كَهَانَةٌ إِلَى غير ذلك من الأقوال الباطلة. وقيل: أَنَّهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا يَذْكُرُونَهُ فِي سَمَرِهِمْ بِالْأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ وَيَضْرِبُونَ لَهُ الْأَمْثَالَ الْبَاطِلَةَ، مِنْ أَنَّهُ شَاعِرٌ، أَوْ كَاهِنٌ، أو ساحر، أو كذاب، أو مجنون. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلُهُ: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ أَيْ بِالْبَيْتِ يفتخرون به وتعتقدون أنهم أولياءه وليسوا به، كما قال ابن عباس: إنما كره السمر حين نزلت الْآيَةُ ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ﴾ فَقَالَ: مُسْتَكْبِرِينَ بالبيت، يقولون: نحن أهله ﴿سَامِراً﴾ قال: كانوا يتكبرون ويسمرون فيه ولا يعمرونه ويهجرونه (أخرجه النسائي في التفسير عن ابن عباس).
- ٦٨ - أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ
- ٦٩ - أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ
- ٧٠ - أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ
- ٧١ - وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ
- ٧٢ - أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
- ٧٣ - وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
- ٧٤ - وَإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ
- ٧٥ - وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ