ليرتدع هو من يَصْنَعُ مِثْلَهُ بِذَلِكَ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ وَأَنَا أَرْحَمُهَا، فَقَالَ: «ولك في ذلك أجر»، وقوله تعالى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ هَذَا فِيهِ تَنْكِيلٌ لِلزَّانِيَيْنِ إِذَا جُلِدَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَبْلَغَ فِي زَجْرِهِمَا، وَأَنْجَعَ فِي رَدْعِهِمَا، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا وَفَضِيحَةً إِذَا كَانَ النَّاسُ حُضُورًا، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾: يعني علانية، والطائفة الرجل فما فوقه، وقال مجاهد: الطائفة الرجل الواحد إِلَى الْأَلْفِ، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: إِنَّ الطَّائِفَةَ تَصْدُقُ عَلَى وَاحِدٍ، وَقَالَ عطاء بن أبي رباح: اثنان، وقال الزهري ثلاثة نفر فصاعداً، وقال الإمام مالك: الطائفة أربعة نفر فصاعداً، لأنه لا يكفي شهادة في الزنا إلا أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَصَاعِدًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: عَشَرَةٌ، وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يَشْهَدَ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ: أَيْ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِيَكُونَ ذَلِكَ مَوْعِظَةً وَعِبْرَةً ونكالاً.
- ٣ - الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ الزَّانِيَ لَا يَطَأُ إِلَّا زانية أومشركة، أي لا يطاوعه على مراده من الزنا إِلَّا زَانِيَةٌ عَاصِيَةٌ أَوْ مُشْرِكَةٌ لَا تَرَى حُرْمَةَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ ﴿الزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ﴾ أَيْ عَاصٍ بِزِنَاهُ ﴿أَوْ مُشْرِكٌ﴾ لَا يعتقد تحريمه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ليس هذا بالكناح إِنَّمَا هُوَ الْجِمَاعُ لَا يَزْنِي بِهَا إِلَّا زان أو مشرك (هذا إسناد صحيح عن ابن عباس وقد روي نحو ذلك عن مجاهد وعكرمة والضحاك ومقاتل وسعيد بن جبير)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ أَيْ تعاطيه والتزوج بالبغايا أو تزويج العفائف بالرجال الفجار، وقال أبو داود الطيالسي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ قال: حرم الله الزنا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: حرم الله عَلَى المؤمنين نكاح البغايا، وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أخدان﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ﴾ ألآية، ومن ههنا ذهب الإمام أحمد إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مِنَ الرَّجُلِ الْعَفِيفِ عَلَى الْمَرْأَةِ الْبَغِيِّ مَا دَامَتْ كَذَلِكَ حَتَّى تُسْتَتَابَ، فَإِنْ تَابَتْ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْعَفِيفَةِ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ الْمُسَافِحِ حَتَّى يَتُوبَ تَوْبَةً صَحِيحَةً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المؤمنين﴾. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا أُم مَهْزُولٍ وَكَانَتْ تُسَافِحُ، فَأَرَادَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ﴿الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلك عَلَى المؤمنين﴾ (رواه النسائي والإمام أحمد). وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ (مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ) وَكَانَ رَجُلًا يَحْمِلُ الْأُسَارَى مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمُ الْمَدِينَةَ، قَالَ: وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهَا (عَنَاقُ) وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ، وَأَنَّهُ وَاعَدَ رَجُلًا مَنْ أُسَارَى مَكَّةَ يَحْمِلُهُ، قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى ظِلِّ حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ، قَالَ: فَجَاءَتْ عَنَاقُ فَأَبْصَرَتْ سَوَادَ ظل تحت الحائط، فلما انتهت إليَّ عرفتني، فَقُلْتُ: مَرْثَدٌ، فَقَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، هَلُمَّ فَبِتْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ، قَالَ، فَقُلْتُ: يَا عَنَاقُ حَرَّمَ الله الزنا، فَقَالَتْ: يَا أَهْلَ الْخِيَامِ هَذَا الرَّجُلُ يَحْمِلُ أسراكم، قال: فتبعني ثمانية ودخلت الحديقة، فَانْتَهَيْتُ إِلَى غَارٍ أَوْ كَهْفٍ، فَدَخَلْتُ فِيهِ فَجَاءُوا حَتَّى قَامُوا عَلَى رَأْسِي، فَبَالُوا، فَظَلَّ بَوْلُهُمْ عَلَى رَأْسِي، فَأَعْمَاهُمُ