غَيْرِ قِتَالٍ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ مَتَاعٍ، فَهُوَ نَفَلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ بِهِ مَا يَشَاءُ، قال ابْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ أَنْفَالُ السَّرَايَا، بَلَغَنِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ قال: السرايا، ومعنى هَذَا مَا يَنْفُلُهُ الْإِمَامُ لِبَعْضِ السَّرَايَا زِيَادَةً عَلَى قَسْمِهِمْ مَعَ بَقِيَّةِ الْجَيْشِ،
وَقَدْ صَرَّحَ بذلك الشعبي، واختار ابن جرير أنها الزيادة على القسم، ويشهد بذلك مَا وَرَدَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ وَهُوَ ما روي عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: لَمَّا كان يوم بدر قتل أَخِي (عُمَيْرٍ) وَقَتَلْتُ (سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ) وَأَخَذْتُ سَيْفَهُ، وَكَانَ يُسَمَّى ذَا الْكَتِيفَةِ، فَأَتَيْتُ بِهِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاطْرَحْهُ فِي الْقَبَضِ»،
قَالَ: فَرَجَعْتُ وَبِي مَا لَا يعلمه اللَّهُ مِنْ قَتْلِ أَخِي وَأَخْذِ سَلَبِي، قَالَ: فَمَا جَاوَزْتُ إِلَّا يَسِيرًا، حَتَّى نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْفَالِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: اذهب فخذ سلبك".
(سَبَبٌ آخَرُ فِي نُزُولِ الْآيَةِ):
وَقَالَ الْإِمَامُ أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: سَأَلْتُ (عُبَادَةَ) عَنِ الْأَنْفَالِ، فَقَالَ: فِينَا أَصْحَابُ بَدْرٍ نَزَلَتْ، حِينَ اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فاتنزعه اللَّهُ مِنْ أَيْدِينَا،
وَجَعَلَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ بَوَاءٍ، يَقُولُ: عَنْ سَوَاءٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أيضاً عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدْتُ مَعَهُ بَدْرًا، فَالْتَقَى النَّاسُ فَهَزَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَدُوَّ، فَانْطَلَقَتْ طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأقبلت طائفة على العسكر يحوزونه وَيَجْمَعُونَهُ، وَأَحْدَقَتْ طَائِفَةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصِيبُ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ، وَفَاءَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ الَّذِينَ جَمَعُوا الْغَنَائِمَ: نَحْنُ حَوَيْنَاهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا نَصِيبٌ، وَقَالَ الَّذِينَ خَرَجُوا فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ: لَسْتُمْ بِأَحَقَّ بِهِ منا، نحن منعنا عنه الْعَدُوَّ وَهَزَمْنَاهُمْ، وَقَالَ الَّذِينَ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خفنا أَنْ يُصِيبَ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً فَاشْتَغَلْنَا بِهِ، فَنَزَلَتْ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ للَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ المسلمين، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أغار فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ نَفَّلَ الرُّبُعَ، فَإِذَا أَقْبَلَ راجعاً نفل الثلث، وكان يكره الأنفال (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي: هذا حديث صحيح). وروى أبو داود والنسائي وابن مردويه واللفظ له،
عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا» فَتَسَارَعَ فِي ذَلِكَ شُبَّانُ القوم وَبَقِيَ الشُّيُوخُ تَحْتَ الرَّايَاتِ، فَلَمَّا كَانَتِ الْمَغَانِمُ جَاءُوا يَطْلُبُونَ الَّذِي جُعِلَ لَهُمْ، فَقَالَ الشُّيُوخُ لَا تَسْتَأْثِرُوا عَلَيْنَا فَإِنَّا كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ لَوِ انْكَشَفْتُمْ لَفِئْتُمْ إِلَيْنَا؛ فَتَنَازَعُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ - إِلَى قَوْلِهِ - وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، وقال الإمام الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ (الأموال الشرعية): أَمَّا الْأَنْفَالُ فَهِيَ الْمَغَانِمُ، وَكُلُّ نَيْلٍ نَالَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَكَانَتِ الْأَنْفَالُ الأولى لرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ للَّهِ والرسول﴾ فقسمها يوم بدر علي ما أراه الله من غير أن يخمسها، ثُمَّ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ آيَةُ الْخُمُسِ فَنَسَخَتِ الأولى، قلت: هكذا روي عن ابن عباس، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ والسُّدِّيُّ، وَقَالَ ابْنُ زيد: ليست منسوخة بل هي محكمة، والأنفال أصلها جماع الْغَنَائِمِ إِلَّا أَنَّ الْخُمُسَ مِنْهَا مَخْصُوصٌ لِأَهْلِهِ عَلَى مَا نَزَلَ بِهِ الْكِتَابُ وَجَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ. وَمَعْنَى الْأَنْفَالِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: كُلُّ إِحْسَانٍ فَعَلَهُ فَاعِلٌ تَفَضُّلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ النَّفَلُ الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ