فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ»، فَدَخَلَتْ فِي أَعْيُنِهِمْ كُلِّهِمْ، وَأَقْبَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ وَكَانَتْ هَزِيمَتُهُمْ فِي رَمْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾. وَقَالَ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بلاء حَسَناً﴾ أي ليعرف المؤمنين نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ، مِنْ إِظْهَارِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ مَعَ كَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ، لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ حَقَّهُ ويشكروا بذلك نعمته، ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أَيْ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴿عَلِيمٌ﴾ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ النَّصْرَ وَالْغَلَبَ، وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴾ هَذِهِ بِشَارَةٌ أُخْرَى مَعَ مَا حَصَلَ مِنَ النَّصْرِ أَنَّهُ أَعْلَمَهُمْ تَعَالَى بِأَنَّهُ مُضْعِفُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ، فِيمَا يستقبل مصغر أَمْرَهُمْ، وَأَنَّهُمْ كُلُّ مَا لَهُمْ فِي تَبَارٍ ودمار.
- ١٩ - إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
يَقُولُ تَعَالَى لِلْكُفَّارِ: ﴿إِن تَسْتَفْتِحُواْ﴾ أي تستنصروا وتستقصوا اللَّهَ وَتَسْتَحْكِمُوهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَعْدَائِكُمُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ جَاءَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ؛ كَمَا قَالَ أبو جَهْلٍ، قَالَ حِينَ الْتَقَى الْقَوْمُ: اللَّهُمَّ أَقْطَعُنَا لِلرَّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُ فَأَحْنِهِ الْغَدَاةَ؛ فكان المستفتح (رواه أحمد والنسائي والحاكم وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ)؛ وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ حِينَ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَدْرٍ أَخَذُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاسْتَنْصَرُوا اللَّهَ وَقَالُوا: اللَّهُمَّ انْصُرْ أَعْلَى الْجُنْدَيْنِ وَأَكْرَمَ الْفِئَتَيْنِ وَخَيْرَ الْقَبِيلَتَيْنِ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ يَقُولُ: قَدْ نَصَرْتُ مَا قُلْتُمْ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِن تَنتَهُواْ﴾ أَيْ عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالتَّكْذِيبِ لِرَسُولِهِ ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ أي في الدنيا والآخرة، وقوله تعالى: ﴿وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ﴾، كَقَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا﴾، مَعْنَاهُ وَإِنْ عُدْتُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ نَعُدْ لَكُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿وَإِن تَعُودُواْ﴾ أَيْ إِلَى الاستفتاح ﴿نَعُدْ﴾ أي إِلَى الْفَتْحِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والنصر له وتظفيره على أعدائهن وَالْأَوَّلُ أَقْوَى. ﴿وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ﴾ أَيْ وَلَوْ جَمَعْتُمْ مِنَ الْجُمُوعِ مَا عَسَى أَنْ تَجْمَعُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ الله معه فلا غالب له، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وَهُمُ الْحِزْبُ النَّبَوِيُّ وَالْجَنَابُ المصطفوي.
- ٢٠ - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولُهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ
- ٢١ - وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ
- ٢٢ - إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ
- ٢٣ - وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ
يَأْمُرُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَيَزْجُرُهُمْ عَنْ مُخَالَفَتِهِ وَالتَّشَبُّهِ بِالْكَافِرِينَ بِهِ الْمُعَانِدِينَ لَهُ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ﴾ أَيْ تَتْرُكُوا طَاعَتَهُ وَامْتِثَالَ أَوَامِرِهِ وَتَرْكَ زَوَاجِرِهِ، ﴿وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾ أي بعدما علمتم ما


الصفحة التالية
Icon