وَالثَّانِي: (أَنَّهَا كَانَتْ فَرْضًا ثُمَّ نُسِخَتْ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ، واستدلوا بقوله: (كتب) وهوبمعنى فرض كقونه تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ ١ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَلَى نَسْخِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، مَنْسُوخَةٌ٢.
وَأَجَابَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ أَهْلَ الْقَوْلِ الأَوَّلِ، فَقَالُوا: ذِكْرُ الْمَعْرُوفِ لا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ، لِأَنَّ المعروف بمعنى العدل الذي لاشطط فيه ولاتقصيركقوله تَعَالَى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ٣ وَلا خِلافَ فِي وُجُوبِ هَذَا٤ [الرِّزْقِ وَالْكِسْوَةِ، فَذِكْرُ الْمَعْرُوفِ فِي الْوَصِيَّةِ لا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا بَلْ يُؤَكِّدُهُ، وَكَذَلِكَ تَخْصِيصُ الأَمْرِ بِالْمُتَّقِينَ دَلِيلٌ عَلَى تَوْكِيدِهِ لِأَنَّهَا إِذَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُتَقِّينَ كَانَ وُجُوبُهَا عَلَى غَيْرِهِمْ أَوْلَى، وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّقْوَى لازِمَةٌ لجميع الخلق.

١ الآية (١٨٣) من سورة البقرة.
٢ أورد الحافظ ابن كثير في تفسيره١/ ٢١١، دعوى النسخ هنا، عن الإمام أحمد بإسناده إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما.
٣ الآية (٢٣٣) من سورة البقرة.
٤ من هنا يوجد نقص كبير في النسخة الهندية، سوف تبدأ الموافقة مع النسخة المدنية من آية ﴿وأتموا الحج ووالعمرة لله﴾ أي: بعد ثمانية وعشرين صفحة من النسخة المدنية.


الصفحة التالية
Icon