قد عاش ابن الجوزي منذ طفولته ورعًا تقيًا زاهدًا، لا يحب مخالطة الناس خوفًا من ضياع الوقت، ووقوع الهفوات، فصان بذلك نفسه وروحه ووقته: يقول الإمام ابن كثير عند ترجمته له: "وكان - وهو صبي - ديّنًا منجمعاً على نفسه لا يخالط أحدًا ولا يأكل ما فيه شبهة، ولا يخرج من بيته إلاّ للجمعة، وكان لا يلعب مع الصبيان"١.
حبه للعزلة:
وكان يحب العزلة تقديرًا لقيمة الوقت وابتعادًا عن الوقوع في اللهو. يقول في صيد الخاطر: "فليس في الدنيا أطيب عيشًا من منفرد عن العالم بالعلم، فهو أنيسه وجليسه، قد قنع بما سلم به دينه من المباحات الحاصلة، لا عن تكلف ولا تضييع دين، وارتدى بالعز عن الذل للدنيا وأهلها، والتحف القناعة باليسير، إذا لم يقدر على الكثير بهذا الاستعفاف يسلم دينه ودنياه، واشتغاله بالعلم يدلّه على الفضائل ويفرجه عن البساتين، فهو يسلم من الشيطان والسلطان والعوام بالعزلة، ولكن لا يصلح هذا إلا للعالم، فإنه إذا اعتزل الجاهل فاته العلم فتحبط"٢.

١ البداية والنهاية لابن كثير ١٣ الأحداث (٥٩٧).
٢ صيد الخاطر (٣٧٣).


الصفحة التالية
Icon