هذا التحديد الكامل للنص القرآني على عهد النبي نفسه، يعد ظاهرة جديرة بالملاحظة من وجهة علم الاجتماع وعلم النفس بخصوص الوسط العربي في العصر المحمدي. فتلك نقطة جوهرية تستحق البحث والوقوف أمامها، إذ ليست هنا مشكلة تدوين بالنسبة للقرآن، كما هو الأمر بالنسبة للكتاب المقدس؛ وهي أيضاً مؤيدة بحقائق التاريخ التي ينبغي أن نلفت إليها انتباه القارئ ليلاحظ هو أيضاً توافق واقع التاريخ مع هذه الآية القرآنية ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [يوسف ١٢/ ١٢]، ومع ذلك فإن لهذا (الحفظ) تاريخه: فكلما كان الوحي يتنزل، كانت آيات القرآن تثبت في ذاكرة الرسول وصحابته، وتسجل فوراً بأيدي أمناء الوحي، فقد كانوا يستخدمون من أجل ذلك كل ما يصلح للكتابة كعظام الكتف أو قطع الجلد... الخ..
حتى إذا قبض رسول الله - ﷺ - كان القرآن محفوظاً في الصدور، مدوناً في الصحف، فكان من الممكن كما دعت الحاجة موازنة الآيات بعضها ببعض، ولا سيما حين يعرض اختلاف من نوع صوتي أو لهجي.
وفضلاً عن ذلك فسنجد أن هذه الموازنة تحدث مرتين، والطريقة التي نفذت بها هي في ذاتها حدث فذ في تاريخ الصناعة العقلية الإنسانية، فللمرة الأولى تتجلى صفات الطريقة المنهجية في عمل عقلي، كما تتجلى الدقة التي هي الآن وقف على التفكير العلمي.
فقد اختار الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه لجنة يرأسها زيد بن ثابت، الذي كان أميناً للوحي على عهد الرسول، كتبت القرآن منظماً لأول (١) مرة. ويبدو ان زيدا أحجم أولا عن القيام بهذه المهمة لأمرين: