أولهما: أنه لا يريد بوصفه صحابياً أن يقوم بمحاولة لم يقم بها النبي، أو يأمر بها.
وثانيهما: أنه بوصفه مؤمناً يتحاشى مثل هذا العمل، لأنه يخشى مقدماً أبسط الأخطاء المتوقعة في تنفيذ مهمته، وعلى الرغم من هذا فقد تمت هذه المهمة بفضل الجهود المتعاونة الواعية لأعضاء اللجنة. وكانت الطريقة التي اتبعت بسيطة، ولكنها مدققة، لأنهم كانوا يحفظون القرآن عن ظهر قلب، بالنظام نفسه الذي تعلموه في صحبتهم بإرشاد الرسول لهم، فإن حدث اختلاف رجعوا إلى القطع التي كتبت فيها الآيات عند نزولها؛ حتى يرفعوا الشك عن موضوعها. ولم يكتفوا بكل هذه الاحتياطات الملحوظة، فإن زيداً وعمر رضي الله عنهما قد ذهبا إلى باب مسجد المدينة، وهنالك أشهدا بقية الصحابة لتوثيق الرواية المكتوبة بواسطة اللجنة نفسها.
بيد أن هذه الجهود قد أجازت نص القرآن مع بعض الاختلاف في اللهجات الشائعة بين عرب الجاهلية.
لم يسترح عثمان- الخليفة الثالث- لهذا الاختلاف، وأمر بأن تكتب رواية موحدة فريدة بلغة قريش.
فاختيرت لجنة ثانية على رأسها زيد أيضاً، وكلفت أدء هذه المهمة الجديدة، وكان عليها هذه المرة أن تثبت النص القرآني نهائياً في لغة واحدة، حتى لا يتسبب تنوع اللهجات في إحداث الشقاق والتدابر في المجتمع الإسلامي، وأنهت اللجنة عملها عام ٣٥ هـ.
ومنذ ذلك العصر والقرآن يتنقل من جيل إلى جيل، بصورة وحيدة فريدة متعارف عليها، من مراكش إلى حدود منشوريا.


الصفحة التالية
Icon