ولكننا لا نرى من الضروري أن نعلق في متحف جد غني صورة جديدة للنبي، فإن لدى القارئ مندوحة ليطلع على المؤلفات العديدة في سيرته، إذا هو أراد أن يشبع رغبته في معرفة الصورة الباهرة لهذا الإنسان، سواء في تلك المؤلفات التقليدية كابن إسحاق وابن مسعود، أم في دراسات تراجم الرجال التي أخرجتها المطابع الحديثة لـ (دينيه تعالىinet) و (درمنجهام تعالىormengham)... ! لخ.
أما نحن فلا نهتم إلا بتخطيط صورة نفسية لا تهمنا فيها التفاصيل التاريخية، إلا بقدر ما تعيننا على ما نريد تخطيطه. وهكذا تنقسم حياة النبي - ﷺ - في نظرنا إلى مرحلتين متتابعتين:
الأولى: عصر ما قبل البعثة وهو يمتد إلى أربعين سنة.
والثانية: العصر القرآني وهو يضم كل زمن الوحي، وهو عبارة عن ثلاثة وعشرين عاماً، ومع ذلك فكل من هاتين المرحلتين مطبوعة بحدث رئيسي يعد فاصلاً يقسمها إلى مرحلتين ثانويتين:
فزواج خديجة رضي الله عنها يعد في الواقع فاصلاً خطيراً فيما يتعلق برحلة ما قبل البعثة، فنحن نجد نبي المستقبل ينزوي في خلوة روحية، حتى تلك الليلة الخالدة... ليلة الوحي (١).
والهجرة هي الفجوة التي تفصل زمن تبليغ الدعوة فحسب، عن زمن الانتصارات الحربية والسياسية التي فتحت للإمبراطورية الإسلامية الفتية باب التاريخ.