وسنبحث الآن بإيجاز هاتين الحقيقتين المتتاليتين، موردين في كل منهما الأحداث التي تطبع شخصية النبي، والتي انطبعت بشخصيته، كيما نكشف بقدر الإمكان عن طبيعة الارتباط بين الذات المحمدية، والظاهرة القرآنية.
...
عصر ما قبل البعثة
طفولة النبي- مراهقته
إن هناك تقاليد طيبة مشتركة بين جميع الشعوب، تحوط مهود عظماء الرجال وقبورهم بالأساطهير؛ ولقد أحاطت الروايات الإسلامية الوسط العائلي للنبي وميلادَه وطفولته بالخوارق المنبئة بما ينتظره من مستقبل فريد رائع، ولكن ليس من الضروري أن نهتم بدرجة صحتها التاريخية لأنها لا تهم موضوعنا مباشرة، بل إننا سنصرف كثيراً من اهتمامنا إلى التفاصيل التي ستكشف شيئاً فشيئاً عن الصفات الخاصة بذلك (الطفل)، الذي ظل بالنسبة لمرضعته (حليمة) مصدر سرور وقلق معاً.
لقد شب الطفل عندها كأنه نبتة قوية من نبات الصحراء، ولكنه حين كان في دور الرضاعة كان يبكي كلما كشف من أجل النظافة (١)، فإذا أرادت مرضعته أن تهدئ من بكائه خرجت به في الليل أمام الخيمة، فيغرم الطفل بمنظر الفلك الداجي، الذي يبدو أنه كان يسلط جاذبية مؤثرة على مقلته، لا زالت تتلألأ فيها العبرة الأخيرة.
كببر الطفل الآن، وصار يلعب في نواحي الخيمة مع إخوته في الرضاعة.