خاص، أو شكل من أشكال الطقوس، وبالأحرى لم يكن لهم أي اتصال روحي بطائفة من أهل الكتاب، فإن مصادر العصر التاريخية لا تصف أية كنيسة في مكة، أو أي كنيس أو دير في ضواحيها؛ لقد انسحب الحنفاء فقط في أماكن منعزلة، دون أن يقطعوا صلاتهم تماماً بالمجتمع، ولم تكن لهم طريق في تصوفهم سوى أنهم كانوا يمارسون الزهد أو التخلي عن الدنيا، مما يدل على سمة الصحراء وطابعها في نفوسهم.
والزهد يتجلى في الواقع في قناعة البدوي الذي تقع ثروته دائماً تحت رحمة مجاعة وقحط، أو غزو من القبائل المجاورة، وفي الكلمات التي نطق بها أبو طالب نفسه- بمناسبة خطبة (النبي) عن المتاع الذي لم يكن سوى وديعة تسترد آجلاً أو عاجلاً- تتجلى روح الصحراء أكثر من روح الدير.
إن سلوك الحنفاء الصوفي لم يمتد نحو الأخلاق المسيحية، أو الشريعة الموسوية، بل كان نظاماً فردياً فطرياً بسيطاً، نجد مثاله الخلقي الصافي في أشعار قس بن ساعدة، فهو- على فرض نصرانيته كما يقولون- لم يترك للتاريخ سوى أبيات رائعة تمثل عبقرية الصحراء الصافية.
وكان الطابع الإبراهيمي- فيما يبدو- ظاهراً بقدرٍ في البيئة الجاهلية، في ذلك العصر، إذ كان يظهر هنا وهناك حنيفي. ولكن هذا الطابع كان تقليداً عربياً محضاً، لا يمتّ بصلة إلى التفكير اليهودي المسيحي الذي كان تياره الروحي، قد نشأ قبل ذلك بزمن طويل مع الحركة النبوية الإسرائيلية الأولى، أي مع موسى.
وحتى في زمننا هذا، وبعد ثلاثة عشر قرناً من الثقافة الإسلامية التي طبعت روحها على العقل العربي الصحراوي، نجد أن الأدب الكتابي (أدب الكتب المنزلة) لم ينتشر مطلقاً؛ وكثير من المسلمين في شمالي نجد ما زالوا يجهلون


الصفحة التالية
Icon