تاريخ هذا الأدب اليهودي المسيحي (١).
وعلى هذا فليس من المنطق أن نفترض في الحنفاء معرفة أوسع من معرفة معاصرينا عن تيار الفكر، وتاريخ الوحدانية.
فمن السهل أن نتصور بأي زاد زهيد، وبأية أفكار مألوفة، وبأي قصد عادي اعتزل النبي - ﷺ - المجتمع بعد زواجه، تماماً كما كان يفعل حنفاء عصره. ومع ذلك فمن المفيد أن نوضح أن الأحوال التي ذكرناها تكون أصدق في حالته بقدر ما كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، فلم يكن ممكناً حصوله على أية معلومات مكتوبة.
وتلك مع ذلك ملاحظة مسهبة، إذ قد انعدم المصدر المكتوب نفسه في وسط هذا النبي الأمي كما سيتضح فيما بعد.
والآن، ما هي المعلومات التي لدينا عن عزلته خمسة عشر عاماً؟.. إننا إذا نحينا بعض التفاصيل المتصلة بحياته الزوجية والعائلية، فلن ندري شيئاً مما يتصل بتنظيم حياته الروحية في ذلك العصر.
فهل كان يغرق في تأمل عميق في المشكلة الدينية يقوده نوع من إلهام الدعوة المستقبلة؟..
لقد أجاب المستشرق الكبير (درمنجهام) عن ذلك بالإيجاب، ولكن هذه الإجابة فيما يبدو لنا لا تعدو أن تكون تخيلاً من المؤلف، لم يعتمد فيه- كما يظهر في تلك النقطة- على شهادة تاريخية غير قابلة للطعن والتجريح، وهي شهادة القرآن (٢)، فإن هذا الكتاب يصور لنا في رجعة إلى الماضي حال الفكر عند الرسول قبل الوحي، في قوله تعالى:

(١) (رزوان Raswan) دراسة اجماعية.
(٢) باعتبار القرآن في هذا السياق مجرد وثيقة تاريخية.


الصفحة التالية
Icon