ولكني أرى من الواجب أن أوجه كلمة إلى الشباب المثقف كيما يتفادى التباساً يمكن أن يقع فيه حول الهدف الحقيقي من هذه الدراسة.
أريد أن أقول لهؤلاء الشباب: إن الأمر لا يعني هنا نشرة لجمع المعلومات وتخزينها في الذاكرة، ولكن نموذجاً حياً من نقاش جدلي، فائدته الحيوية الكبرى بما يذكي من الطاقة الروحية لسائر القراء القادرين على التفكير بمنهجية، كما يضع كل منهم بدوره قضية (الحقيقة) ويبحث بوسائله الذاتية عما يتعين عليه اتخاذه في سبيلها.
فإذا استطاعت نشرة من هذا النوع أن تخدم بوصفها علاجاً للتشكك الديني فتلك زيادة في الخير، إنما يبقى الهدف الأساسي قبل كل شيء محاربة اللامبالاة حول مسألة (الحقيقة العلوية).
على كل حال فإن دراسة كهذه، لا تفكر في أن تفرض نفسها على أنها نوع من العقيدة، نقبله بعيون مغمضة وبغير نقاش. فهذا على ما يبدو لي أبعد ما يكون عن فكر المؤلف، فضلاً عن أنه يتنافى مع المبادئ القرآنية التي يدافع عنها.
فالقرآن لم يعلن فحسب بأن الإيمان لا يفرض من الخارج، ولكنه أدان بقوة كل اتباع أعمى يلقي بزمامه إلى سلطة لا تستند إلى العقل. وقد دعا دائماً باستمرار إلى التأمل الفردي المنسحب من تأثير الوسط الخارجي والأفكار المسبقة، ومن كل فكرة مستقاة بعفوية دون تمحيص.
إن (ديكارت) لم يفعل غير ذلك، حينما رفض أسلوب الهيمنة، مطالباً بحق العقل، مؤكداً واجب كل امرئ بألا يأخذ بغير الثابت والبديهي الذي لامراء فيه.
أكثر من هذا؛ ففي هذا الإطار يبدو لنا المذهب الديكارتي من هذه الناحية، أقل تشدداً وتمسكاً من القرآن.