وفضلاً عن ذلك، فإن العادات تثبت خاصة لدى المراهق لكي تنعكس بالتالي على جميع حياته. وكذلك الحال على ما نعتقد فيما يخص النبي، كما تدل عليه ملاحظة زوجه عائشة حين أثارها الاهتمام بصحته، من قيامه الطويل بالليل في صلاة النافلة (١)، لقد كانت حقاً عادة ثابتة عند النبي منذ زمان عزلته.
وعليه، فإذا كان النبي يخصص جانباً كبيراً من وقته للصلاة، بينما تلح عليه هموم التفاصيل المادية لرسالته، فلقد كان عنده من الفراغ ما يسمح له بالاعتكاف عندما لم يكن لديه ما يشغله من تفاصيل الحياة المادية والعامة.
فلا موضع إذن للدهشة حين لا نجد غير قليل من الوثائق عن هذه الحقبة من حياته، التي كانت بصفة موضوعية بدون تاريخ.
ولم يصل صدى هذه العزلة إلى العالم الخارجي، إلا حوالي نهاية هذه الحقبة، مع الخبر المثير لظهور النبي المنتظر.
...
العصر القرآني
المرحلة المكية
إن محمداً - ﷺ - الآن في الأربعين من عمره، إن الستار يرتفع من جديد عن تاريخه، ولكنا نجده في أزمة أدبية عميقة.

(١) في رواية البخاري ((وقالت عائشة رضي الله عنها: كان يقوم حتى تفطر قدماه (تتشقق))) وفي حديث آخر عن المغيرة رضي الله عنه أنه قال: ((إن كان النبي - ﷺ - ليقوم أو ليصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه، فيقال له، فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً)). (المترجم)


الصفحة التالية
Icon