وهذا حكم شنيع، لا على (مرجليوث) وحده، بل على كل أشياعه وكهنته وعلى ما جاؤوا به من حطام الفكر.
ولكن العجب عندي بعد ذلك أن مالكاً ارتكز على ذكر هذه القضية، وعلى أثرها في العقل الحديث، ثم انطلق منها إلى نتيجة أخرى فقال: ((وعلى هذا فالمشكلة بوضعها الراهن تتجاوز في مداها نطاق الأدب والتاريخ، وتهم مباشرة منهج التفسير القديم كله، ذلك التفسير القائم على الموازنة الأسلوبية، معتمداً على الشعر الجاهلي بوصفه حقيقة لا تقبل الجدل؛ وعلى أية حال فقد كان من الممكن أن تثور هذه المشكلة تبعاً للتطور الجديد في الفكر الإسلامي، وإنما بصورة أقل ثورية، فمنهج التفسير القديم يجب أن يتعدل في حكمة وروية، لكي يتفق مع مقتضيات الفكر الحديث)).
ثم قال: ((لقد قام إعجاز القرآن حتى الآان على البرهان الظاهر على سمو كلام الله فوق البشر. وكان لجوء التفسير إلى الدراسة الأسلوبية لكي يضع لإعجاز القرآن أساساً عقلياً. فلو أننا طبقنا نتائج فرض (مرجليوث)، لانهار ذلك الأساس، ومن هنا توضع مشكلة التفسير على أساس هام بالنسبة لعقيدة المسلم، أعني: برهان إعجاز القرآن في نظره)).
ثم أفضى إلى هذا الحكم: ((والحق أنه لا يوجد مسلم، وخاصة في البلاد غير العربية- يمكنه أن يوازن موضوعياً بين آية قرآنية، وفقرة موزونة أو مقفاة من أدب العصر الجاهلي. فمنذ وقت طويل، لم نعد نملك في أذواقنا عبقرية اللغة العربية، ليمكننا أن نستنبط من موازنة أدبية نتيجة عادلة حكيمة)).
وأنا أحب أن أناقش هذه المقالة حتى أعين القارئ على أن يضع كتاب (الظاهرة القرآنية) في مكانه الذي ينبغي له، وحتى تتبين له معالم الطريق الذي يسير فيه وهو يقرأ هذا الكتاب، وحتى يستفيد من أدلته وبراهينه قوة تعينه على أن يضع أساساً يقيم عليه عقيدته وإيمانه.