آخر، يمكن أن نسميه (تطور نظرتنا في مشكلة الإعجاز) بصورة خاصة، ولا بد إذن من عرض هذه الأسباب بترتيبها:
أولاً: الأسباب التاريخية:
ينبغي أن ندرك أن التطور الثقافي في العالم الإسلامي يمر برحلة خطيرة،
إذ تتلقى النهضة الإسلامية أفكارها واتجاهاتها الفنية عن الثقافة الغربية، وخاصة من طريق مصر. هذه الأفكار الفنية لا تقتصر على أشياء الحياة الفكرية الجديدة التي يتعودها الشباب المسلم شيئاً فشيئاً، بل إنها تمس أيضاً وبطريقة غامضة، ما يتصل بالفكر وما يتصل بالنفس؛ وفي كلمة واحدة: ما يتصل بالحياة الروحية.
وإنه لمما يثير العجب أن نرى كثيراً من الشباب المسلم المثقف يتلقون اليوم عناصر ثقافة تتصل بمعتقداتهم الدينية، وأحيانا بدوافعهم الروحية نفسها، من خلال كتابات المتخصصين الأوربيين.
إن الدراسات الإسلامية التي تظهر في أوربا بأقلام كبار المستشرقين واقع لا جدال فيه، ولكن هل نتصور المكانة التي يحتلها هذا الواقع في الحركة الفكرية الحديثة في البلاد الإسلامية؟
إن الأعمال الأدبية لهؤلاء المستشرقين قد بلغت في الواقع درجة خطيرة من الإشعاع لا نكاد نتصورها، وحسبنا دليلاً على ذلك أن يضم مجمع اللغة العربية في مصر بين أعضائه عالماً فرنسياً. وربما أمكننا أن ندرك ذلك إذا لاحظنا عدد رسالات الدكتوراه، وطبيعة هذه الرسالات التي يقدمها الطلبة السوريون والمصريون كل عام إلى جامعة باريس وحدها، وفي هذه الرسالات كلها يصرون - وهم أساتذة الثقافة العربية في الغد وباعثو نهضة الإسلام- يصرون كما أوجبوا على أنفسهم، على ترديد الأفكار التي زكاها أساتذهم الغربيون.


الصفحة التالية
Icon