وعن هذا الطريق أوغل الاستسراق في الحياة العقلية في البلاد الإسلامية، محدداً بذلك اتجاهها التاريخي إلى درجة كبيرة.
تلكم هي الأزمة الخطيرة التي تمر بها ثقافتنا الآن، مثيرة هنا وهناك صدى مناظرات مدوية، كما حدث في مصر بين الدكتور زكي مبارك والدكتور طه حسين، فقد عبرت مناظرتهما في أنشودة أدبية تهزها الحماسة عن المأساة الحديثة للفكر الإسلامي.
ولكن لهذه الأزمة العامة مظهراً يهم موضوع دراستنا هذه، وأعني به تأثير دراسات المستشرقين على الفكر الديني لدى شبابنا الجامعي، الشباب الذي يتجه إلى المصادر الغربية، حتى فيما يخص معارفه الإسلامية الشخصية، سواء أكان هذا الاتجاه ناشئاً عن افتقار مكتباتنا أم لمجرد التجانس والقرابة العقلية.
لقد نضبت فعلاً المصادر المحلية من كنوزها الثقافية، مولية وجهها شطر المكتبات الأهلية في أوربا، والحق أن مصر قد بذلت جهداً عظيهاً كيما تضع في متناول الفكر الإسلامي أدوات جديدة للعمل وذلك بما أتيح لها من مطابع حديثة، وعمل جاد اضطلع به شبابها الفتي المتعلم. ولكن هذا الجهد نفسه يعيش في كنف الدهاء الإداري الموروث من عهد الاستعمار.
وأياً ما كان الأمر، فإنما الشباب المسلم المثقف في بعض ديار الإسلام يرى نفسه مضطراً إلى أن يلجأ إلى مصادر المؤلفين الأجانب خضوعاً لمقتضيات عقلية جديدة، ولعله يقدر إلى حد كبير منهجها الوضعي الديكارتي، حتى إننا نجد قضاة وشيوخاً معممين يتذوقون فيها رشاقتها الهندسية.
وهذا كله لا غبار عليه لو اقتصر الاستشراق بمناهجه على الموضوع العلمي، ولكن الهوى السياسي الديني كشف عن نفسه أحياناً بكل أسف في تآليف هؤلاء المتخصصين الأوربيين في الدراسات الإسلامية، على الرغم من أنها تدعو إلى الإعجاب حقاً.


الصفحة التالية
Icon