أقل القرى الهمجية، التي تشيد كوخاً بسيطاً في مركزها، تتجه نحوه الحياة الروحية القبلية، وهي حياة تتفاوت في بدائيتها إلى حد كبير. وما التوتمية والأساطهير واللاهوت إلا حلول مقترحة للمشكلة نفسها التي تساور الضمير الإنساني كلما وجد نفسه مأخوذاً بلغز الأشياء وغاياتها النهائية.
ومن جميع الضمائر ينطلق السؤال نفسه الذي يصوره في خشوع هذا المقطع من أغنية (الفيدا) الهندوسية:

((من يعرف هذه الأشياء؟ ومن يستطيع الحديث عنها؟))
((من أين تأتي هذه الكائنات؟ وما حقيقة هذا الإبداع؟))
((هل (هو) قدخلق الآلهة ولكن من يعرف كيف وجد الخالق (١)؟))
هل الذي يفصح عن نفسه هكذا ضمير يؤمن بتعدد الآلهة؟
ولماذا يلمح الضمير فيما وراء هياكل آلهته وجود من خلقها؟
وتردُّد المشكلة الغيبية- هكذا بانتظام- على الضمير الإنساني في جميع مراحل تطوره، هو في حد ذاته مشكلة أراد علم الاجتماع حلها حين وصف الإنسان بأنه في أصله (حيوان ديني).
ومن هذا التعريف الموضوعي تنبع نتيجتان نظريتان مختلفتان:
١ - هل الإنسان (حيوان ديني) بشكل فطري غريزي، وبسبب استعداد أصيل في طبيعته؟
٢ - أو أنه اكتسب هذه الصفة إثر عارض ثقافي مفاجئ لدى مجموعة بشرية معينة، شمل مفعوله الإنسانية كلها، بنوع من الامتصاص النفسي؟
(١) من تقديم شعري للشاعر طاغور.


الصفحة التالية
Icon