الظاهرة النفسية عند أرمياء
لقد قدم لنا (أرمياء) على الظاهرة النبوية شهادة من أقيم الشهادات وأصرحها، فقد أورد تفصيلاً وصفياً ذا أهية قصوى لسلوكه الخاص حيال الظاهرة، وأشركنا في تأملاته المرة أحياناً، تلك التأملات التي توحي بها إليه حالته، فقال: ((لقد صرت محور سخرية طيلة النهار، فالجميع يهزؤون بي، لأني كلما تكلمت وجدتني مضطراً لأن أصرخ، وأعلن الجبروت والخراب؛ لقد صارت كلمة الله بالنسبة لي مصدر عار واستهزاء مستمر، فإذا قلت: لم أعد أذكره، أو أتكلم باسمه، وجدت في قلي كالنار المضطرمة المستكنة في عظامي، فأحاول أن أطفئها، ولكني لا أستطيع)) (١).
وإذن فـ (أرمياء) يرسم بطريقة ما الخطوط الداخلية لذاته، ونحن نجد في وصفه هذا ثلاثة عناصر مترتبة متميزة:
أولها: الاحتراق العميق لمشاعره المضطربة، من جراء الاستهزاء الذي يلقاه.
وثانيها: إرادته أن يتخلص من دعوته، بامتناع ناتج عن تأمل وإعمال فكر.
وثالثها: عنصر ثابت يبدو أنه يطبع هذه الحالة النفسية كلها، ويطوق إرادة ذات النبي، وهو الذي يشير إليه ما يجده في قلبه (كالنار المضطرمة).
هذا العنصر الأخير هو الذي نعده العنصر الجوهري في الحالة الداخلية للنبي،