وقيل السبب أن بعض الأنصار كانوا يهلون ل «مناة» (١) الطاغية عند «المشلل»، فكان من أهل منهم لمناة: يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة، تعظيما لها، فلما أسلموا سألوا رسول الله ﷺ عن هذا التحرج، فأنزل الله الآية لرفع التحرج.
وقد جاء بهذا وذاك الروايات الصحيحة في الصحيحين عن عائشة- رضي الله عنها- ولا منافاة بين الروايات، لأن فريقا منهم كان يطوف بينهما في الجاهلية فلما جاء الإسلام تحرج من ذلك، وبعضهم ما كان يطوف بينهما، ويتحرج من ذلك في الجاهلية، تعظيما لصنمهم، فلما جاء الإسلام استمروا على تحرجهم واستفهموا عن هذا،
فأنزل الله هذه الآية مزيلة لحرج الفريقين (٢).
وأيّا ما كان الأمر، فالآية لا تنافي الفرضية، كما قالت السيدة عائشة العالمة، ولو أراد الله ذلك لقال: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما، كما قالت في ردها على ابن أختها وقد تأكدت فرضية السعي بين الصفا والمروة بفعله ﷺ وقوله: «خذوا عني مناسككم»، وقالت عائشة- أيضا- قد سن رسول الله ﷺ الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما، ومعنى «سن» شرع أو فرض، بدليل من السنة، لا من الكتاب، فلولا معرفة سبب النزول لما زال الإشكال ولفهم البعض الآية على غير وجهها.
ب- ومن ذلك قوله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ... [سورة الطلاق: ٤] فقد أشكل معنى هذا
والمشلل: بضم الميم وفتح الشين، واللام الأولى مفتوحة مشددة- موضع قريب من قديد وقديد على صيغة المصغر، قرية بين مكة والمدينة كثيرة المياه قاله أبو عبيد البكري.
(٢) انظر: فتح الباري ج ٣ ص ٣٩٢ وما بعدها: ففيه تحقيق الحق في هذا المقام، وقد أتيت بالخلاصة واضحة مجلوة في هذا الكتاب.