المصاحف قد أجمع عليه العلماء، وثبت بالتواتر المفيد للقطع واليقين، فلا تعارضه روايات آحادية مهما بلغت أسانيدها من الصحة أو من الحسن أو الجودة، لأن الآحادي لا يعارض التواتر ولا يقوى على مناهضته.
وعلى فرض تسليم ثبوت هذه الروايات قد تأول العلماء هذه الأحاديث على غير ظاهرها؛ لوجود الصارف لها، وهو ما قدمناه من الإجماع على عدم جواز ذلك.
قال الإمام ابن عبد البر- في رواية أبي داود-: إنما أراد ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها، أنها معان متفق مفهومها، مختلف مسموعها (١)، لا يكون في شيء منها معنى وضده، ولا وجه يخالف معنى وجه خلافا ينفيه ويضاده كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده.
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: وهذه أيضا سبعة غير السبعة التي هي وجوه وطرائق، وغير السبعة التي هي قراءات وتوسع فيها، وإنما هي سبعة أوجه من أسماء الله تعالى. وإذا ثبتت هذه الرواية- رواية أبي- حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ، فلا يجوز للناس أن يبدلوا أسماء الله في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالفه (٢)، وهو تأويل كما ترى.
وشكك في صحتها بعض العلماء فقال صاحب التبيان (٣): وكأن بعض الحفاظ ينكر صحة هذه الرواية، فإنه قال- في إثبات ما ذهب إليه من عدم جواز الرواية بالمعنى- وبرهان ذلك: أن النبي ﷺ علّم «البراء بن عازب» دعاء، وفيه «ونبيك الذي أرسلت» فلما أراد البراء أن يعرض ذلك الدعاء على النبي ﷺ قال: «ورسولك الذي أرسلت» فأمره- عليه السلام- أن لا يضع «رسول» في موضع لفظة «نبي» وذلك حق لا يحيل معنى وهو- عليه الصلاة والسلام- رسول ونبي، فكيف يسوغ للجهال المغفلين أن يقولوا:
(٢) مقدمتان في علوم القرآن ص ٢٦٧.
(٣) التبيان ص ٥٨.