إنه- عليه الصلاة والسلام- كان يجيز أن يوضع في القرآن مكان «عزيز حكيم»، «غفور رحيم» أو «سميع عليم»، وهو يمنع من ذلك في دعاء ليس قرآنا، والله يقول- مخبرا عن نبيه-: ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي ولا تبديل أكثر من وضع كلمة موضع أخرى!
أقول: ومما ينبغي أن يعلم أن مخالفة المروي للقرآن أو لما اشتهر من السنة أو لإجماع العلماء مما يقلل الثقة بالرواية ويجعلها في عداد الروايات الواهية التي لا يحتج بها.
وأما رواية أبي هريرة فليس فيها ما يدل على وضع أحدهما مكان الآخر.
والظاهر: أن المراد بالحرف في هذا الحديث غيره في حديث نزول القرآن على سبعة أحرف المشهور، فالمراد به هنا: سبعة أوجه من أسماء الله تعالى، وبمثل هذا قال القاضي الباقلاني في الحديث السابق.
وأما حديث «عمر» فليس فيه ما يدل على جواز إبدال فاصلة بأخرى، ومراد النبي بقوله: «إن القرآن كله صواب» يعني في حدود المنزل من عند الله على نبيه، وما تلقاه المسلمون عن النبي فهو مثل قوله ﷺ في الرواية الأخرى: «فأي حرف قرءوا عليه، فقد أصابوا».
والدليل على أن هذا التأويل هو المتعين في حديث «عمر» هي القصة التي ورد بسببها هذا القول، ذلك أن «عمر» (١) اختصم مع آخر بسبب قراءة كلمة من القرآن فذهبا إلى النبي، فصوب قراءتيهما، وبين أن الكل من عند الله، فدخل قلب «عمر» من ذلك شيء، فضرب النبي في صدره وقال: «أبعد شيطانا» ثم قال: «يا عمر، القرآن كله صواب ما لم تجعل رحمة عذابا... إلخ» ويكون المقصود بقوله: «ما لم تجعل... إلخ» النهي عن وضع شيء ما موضع آخر من غير نظر إلى تخصيص ذلك بالرحمة والعذاب.

(١) فتح الباري ج ٩ ص ٣١، تفسير الطبري ج ١ ص ١٠.


الصفحة التالية
Icon