إزالة شبهة أخرى:
فإن قال قائل: لقد ذكرت في صدر المبحث استنتاجا من الروايات الحديثية: أن التوسعة في الأحرف إنما كانت في حدود المسموع عن رسول الله ﷺ وأكثرت من تثبيت هذا المعنى في تضاعيف كلامك... فما تقول فيما ورد من آثار ظاهرها يفيد جواز إبدال اللفظ القرآني بآخر- وإن لم يسمع- ما دام المعنى واحدا مثل ما روي عن ابن مسعود: أنه علّم رجلا قوله تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) [الدخان: ٤٣ - ٤٤] فقال الرجل: طعام اليتيم، فأعاد عليه ابن مسعود الصواب، وأعاد الرجل الخطأ؛ فلما رأى ابن مسعود أن لسان الرجل لا يستقيم على الصواب قال له: أما تحسن أن تقول طعام الفاجر قال: بلى، قال فافعل، رواه أبو عبيد في فضائله وابن المنذر.
وروي عن أبي الدرداء مثل ذلك، روى ابن جرير في تفسيره قال:
حدثنا محمد بن بشار ثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام ابن الحارث أن أبا الدرداء كان يقرئ رجلا... إلخ الأثر. ورواه الحاكم وصححه، وما رواه الأعمش قال: قرأ أنس بن مالك: إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا [المزمل: ٦] فقيل له: إنها وَأَقْوَمُ قِيلًا فقال: أقوم، وأصوب، وأهيأ، واحد.
رواه أبو يعلى قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا أبو أسامة، حدثنا الأعمش أن أنس بن مالك قرأ هذه الآية... الأثر.
وكذلك روى أن أبا سوار الغنوي كان يقرأ: فحاسوا خلال الديار [الإسراء: ٥]- بالحاء غير المعجمة- فقيل له: إنما هي فَجاسُوا فقال:
حاسوا وجاسوا واحد.
والجواب: إن هذه الروايات وما شابهها مصروفة عن ظاهرها لا محالة؛ لوجود الأدلة القطعية من القرآن والسنة الصحيحة على عدم جواز تبديل كلمة بأخرى في معناها، من غير توقيف وسماع.