بمكة تأخر نزول تلك السورة إلى المدينة فلم أره إلا نادرا، فقد اتفقوا على أن الأنفال مدنية، لكن قيل: إن قوله: وَإِذْ يَمْكُرُ... الآية نزلت بمكة (١).
وترتيب الآيات القرآنية ليس على حسب نزولها، وترتيبها الزمني، إنما يرجع إلى المناسبات التي تقوم على ارتباط المعاني وتماسكها، ووحدة الفكرة أو تجانسها، فلا عجب إذا أن يكون في بعض السور المكية آيات مدنية أو العكس.
وليس أدل على هذا من أن بعض الآيات وضعت بجانب بعض الآيات الأخرى مع وجود فاصل زمني بينهما نحو بضع سنين كما قدمنا في أسباب النزول، وذلك مثل نزول قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها فقد نزلت بعد قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ بنحو ست سنين.
المكي والمدني من السور
قد اختلف العلماء في بيان المكي والمدني من السور على أقوال كثيرة ذكرها السيوطي في إتقانه (٢)، ومن السور ما اتفق العلماء على مكيتها أو مدنيتها، ومنها ما اختلفوا في كونه مكيّا أو مدنيّا، ولا يهولنك تشعب الاختلاف في هذا فمرد معرفة المكي والمدني إلى الأحوال والقرائن والملابسات، ومثل هذه مما تختلف فيها الأنظار، وتتنوع الاستنتاجات، ولعل أوفق هذه الأقوال وأقربها إلى الصواب ما ذكره أبو الحسن بن الحصار قال: إن المدني باتفاق عشرون سورة والمختلف فيها اثنتا عشرة سورة، وما عدا ذلك مكي، وقد نظم ابن الحصار ذلك في منظومة له نقلها السيوطي في الإتقان، وخلاصة ما تضمنه هذا النظم:
أن السور المدنية باتفاق هي: (١) البقرة (٢) وآل عمران (٣) والنساء
(٢) ج ١ ص ٩ - ١٤.