وعجائب نعم وآلاء، فيؤدي النظر فيها إلى الإيمان بخالقها وموجودها، والإذعان لما جاء به الرسول، كما في القسم بالشمس، والقمر، والنجوم والليل والنهار أو إلى استخدامه في النافع وعدم تضييعه كما في القسم بالعصر، وبعض ما أقسم الله به مما هو محسوس قد يقصد به التذكير بما وراء الحس كما في القسم بالتين والزيتون إلخ.
قال الإمام الشيخ محمد عبده في تفسيره (١): وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) ما خلاصته: وقد يرجح أنهما- التين والزيتون- النوعان من الشجر ولكن لا لفوائدهما كما ذكروا بل لما يذكران به من الحوادث العظيمة التي لها الآثار الباقية في أحوال البشر، قال صاحب هذا القول: إن الله أراد أن يذكرنا بأربعة فصول من كتاب الإنسانية الطويل من أول نشأته إلى يوم بعثة النبي ﷺ فالتين إشارة إلى عهد الإنسان الأول، فإنه كان يستظل في تلك الجنة التي كان فيها بورق التين، والزيتون إشارة إلى عهد نوح فقد أرسل بعض الطيور لعله يأتي بخبر انكشاف الماء عن الأرض، فغاب ولم يأت بخبر، ثم أرسل آخر فجاء إليه يحمل ورقة من الزيتون، فاستبشر وسر وعرف أن غضب الله قد سكن وقد أذن للأرض أن تعمر، وطور سينين إشارة إلى عهد الشريعة الموسوية وظهور نور التوحيد في العالم بعد ما تدنست جوانب الأرض بالوثنية، ثم لما طال الأمد على البشرية حتى كادت أن تطمس معالم التوحيد والحق والشرائع من الله على البشر ببداية تاريخ ينسخ جميع تلك التواريخ ويفصل بين ما سبق من أطوار
الإنسانية وبين ما يلحق وهو عهد ظهور النور المحمدي من مكة المكرمة، وإليه الإشارة بذكر البلد الأمين، وقد يكون القسم بالشيء لمنزلته وإظهار كرامته عند الله كما في القسم بحياة الرسول والملائكة، وفي القرآن توافق عجيب بين المقسم به والمقسم عليه قد يخفى على غير ذي العقل الذكي والنظر الشفاف والحس الدقيق الذي يحكم على الأشياء بادئ الرأي من غير روية وتفكير.

(١) تفسير جزء عم ص ١١٩.


الصفحة التالية
Icon