وقد ألف العلماء في أقسام القرآن كتبا مستقلة، ولعل أحفلها وأجلها- فيما أعلم- «التبيان في أقسام القرآن» لابن القيم، فمن أراد زيادة في معرفة أسرار الأقسام فليرجع إليه ففيه ما يكفي ويشفي.
الشبهة السادسة
قال: إن القسم المكي قد افتتح كثير من سوره بألفاظ غير ظاهرة المعنى مثل الم، وحم، وطسم، وكهيعص، وحم عسق، والخطاب بها كالخطاب بالمهمل الذي لا يفيد، وهو ينافى كون القرآن هدى وبيانا، وهذه الكلمات ربما قصد بها التعمية أو التهويل أو إظهار القرآن في مظهر عميق مخيف، أو هي رموز وضعت لتميز بين المصاحف المختلفة التي كانت موضوعة عند العرب فمثلا كهيعص (١) رمزا لمصحف ابن مسعود حم (١) عسق (٢) رمزا لمصحف ابن عمر، وهلم جرا ثم ألحقها مرور الزمن بالقرآن فصارت قرآنا.
وأسرف بعض النصارى في مجاوزة المعقول فقال- على سبيل الحدس- (١): إنها أحرف وضعها كتّاب محمد برأس السورة اختصارا من قولهم أوعز إليّ محمد، وذلك على حد ما وضعه بعض كتّابه من اليهود كهيعص (١) برأس سورة مريم اختصارا من قولهم بالعبرانية «كو يعص» أي هكذا أمر (٢)، وهذا الكلام منقوض بما يأتي:
١ - دعوى أن هذه الألفاظ ليس لها مدلول دعوى من لم يطلع على آراء العلماء فيها، وقد ذهب الكثيرون إلى أنها أسماء للسور، وذهب المحققون إلى أنها أسماء للحروف الهجائية المعروفة، وفائدة ذكرها في فواتح السور، إما إقامة الحجة على إعجاز القرآن من أقصر طريق وأسهله، ذلك أن هذا القرآن مركب من جنس هذه الحروف الهجائية التي منها يركبون

(١) نقل هذا الهراء عن بعض النصارى «جرجيس سايل» المستشرق الإنكليزي في مقالة عن الإسلام وزعم أنه أدنى إلى الإصابة من أقوال المفسرين في هذه الفواتح وليس هذا بمستغرب منه، فإنها شنشنة نعرفها من أخزم.
(٢) نقض مطاعن القرآن ص ٨٠ هامش.


الصفحة التالية
Icon