ويتركون القوي، وينقلون المشكوك فيه، ويسكتون عن الصحيح الصريح، لأنها الخطة التي تلائم أغراضهم، وتتفق ومراميهم.
وها هي الشبه التي أوردت قديما وحديثا والرد عليها بما يقنع العقل ويطمئن القلب فأقول وبالله التوفيق:
الشبهة الأولى
: قالوا: كيف يكون جمع القرآن عن إجماع من الصحابة مع أن عبد الله بن مسعود وهو ذو السابقة في الإسلام قد كره أن يتولى زيد جمع المصحف.
وقال: «يا معشر المسلمين كيف أعزل عن جمع المصحف ويتولاه رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر» (١)، وقال أيضا: «أعزل عن المصاحف وقد أخذت من فيّ رسول الله ﷺ سبعين سورة وزيد بن ثابت ذو ذؤابتين يلعب مع الصبيان» وفي رواية «بضعا وسبعين سورة... » (٢).
والجواب
: أن قول ابن مسعود هذا لا يدل على عدم جواز جمع القرآن في المصحف، ولا على أنه كان مخالفا في الجمع، وكل ما يدل عليه أنه يرى أنه أحق من زيد بجمع القرآن لسوابقه في الإسلام، على أنه قال هذا في وقت غضبه فلما سكت عنه الغضب أدرك حسن اختيار عثمان ومن معه من الصحابة لزيد بن ثابت وقد ندم على ما قال واستحيا منه؛ فقد روى أبو وائل هذه القصة ثم قال عقبها: إن عبد الله استحيا مما قال فقال: ما أنا بخيرهم ثم نزل عن المنبر (٣) ولم يكن اختيار أبي بكر وعثمان لزيد إلا لما له من المزايا التي تؤهله لهذه المهمة الجليلة وقد أفصح عن هذه المزايا الصديق بقوله: إنك رجل، شاب، عاقل، لا نتهمك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وصفه بأربع صفات لا بد منها لمن يقوم بهذا العمل وهي الشباب المقتضي للقوة والصبر والجلد، والعقل وهو جماع
(٢) أخرجه ابن أبي داود من طرق عن ابن مسعود.
(٣) مقدمتان في علوم القرآن ص ٩٥.