الفضائل، والأمانة وعدم التهمة وهي الصفة التي لا بد منها لمن يقوم بهذا العمل، وكتابة الوحي، وبها يتم التوثق والاطمئنان ومع ذلك فقد ضم عثمان إليه ثلاثة من أوثق الصحابة وأعلمهم (١)، وهذه الخصائص لا تقتضي أفضليته على عبد الله بن مسعود ولا على أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وإنما تقتضي أهليته لما عهد إليه به (٢).
الشبهة الثانية
: قالوا: كيف يكون القرآن كله متواترا مع أن زيد بن ثابت قال في أثناء ذكره لحديث الجمع في عهد أبي بكر: «فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره» وقال في أثناء ذكره لكتابة المصاحف في عهد عثمان: «ففقدت آية من الأحزاب كنت أسمع رسول الله ﷺ يقرأ بها، لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة الأنصاري، الذي جعل رسول الله شهادته بشهادة رجلين»، فهاتان الروايتان تدلان على أنه اعتمد في جمع القرآن على بعض الروايات الآحادية، وهو يخالف ما هو مقرر عندكم من أن القرآن- في جملته وتفصيله- ثابت بالتواتر المفيد للقطع
والجواب
: أن هذا الذي نقل لا ينافي تواتر القرآن؛ فقد ذكرنا لك فيما سبق أن الاعتماد في جمع القرآن كان على الحفظ والكتابة، وكان غرضهم من ذلك زيادة التوثق والاطمئنان، وأن ما كتبوه إنما هو من عين ما كتب بين يدي رسول الله ﷺ فقول زيد: لم أجدهما، أي لم أجدهما مكتوبتين وهذا لا ينافي أنهما كانتا محفوظتين عند جمع يثبت بهم التواتر، والتواتر إنما هو في الحفظ لا في الكتابة، يدل على ذلك قول زيد في الرواية الثانية: «ففقدت آية من الأحزاب كنت أسمع رسول الله يقرأ بها، فهو إذا

(١) قد علمت مما علقناه أن اثنين منهم وهما عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص متفق على صحبتهما، وأن ثالثهما وهو عبد الله بن الحارث مختلف فيه، وأدنى أمره أنه من كبار التابعين، وأنه كانت هناك لجنة مساعدة لهذه اللجنة الرباعية الأصلية.
(٢) وأيضا فقد كان مما أهّله لكتابة القرآن في الصحف ثم في المصاحف أنه كان شهد العرضة الأخيرة التي عرضها النبي ﷺ على جبريل.


الصفحة التالية
Icon