كان حافظا لها ومتيقنا لقرآنيتها، وكذلك من كانوا معه كانوا يحفظونها ولكن كان يبحث عن أصلها المكتوب.
فإن قيل إن اتجه هذا الجواب، واستقام في الرواية الأولى، فكيف يتجه في الرواية الثانية؛ فقد كانت آية الأحزاب مكتوبة في الصحف التي كتبت في عهد الصديق قلت: لعلها انمحت وتطاير مدادها فلم يبق ما يدل عليها أو لعل الأرضة أكلت موضعها من الصحيفة فاضطر أن يبحث عن أصلها المكتوب فوجده مع خزيمة بن ثابت الأنصاري، على أن المعول عليه في القرآن التواتر الحفظي لا الكتابي.
الشبهة الثالثة
: قالوا: إن القرآن قد زيد فيه ما ليس منه بدليل ما ورد أن عبد الله ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، وفي رواية كان يحك المعوذتين من مصحفه، ويقول: إنما أمر النبي ﷺ أن يتعوذ بهما ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله.
والجواب
: أن هذه الروايات غير صحيحة، وأغلب الظن أنها مدسوسة على ابن مسعود، وإليك ما قاله الأئمة فيها، قال الإمام النووي في شرح المهذب: «أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منها شيئا كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح»، وقال ابن حزم في كتاب «القدح المعلّى»، تتميم المجلّى: «هذا كذب على ابن مسعود وموضوع، وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زر عنه، وفيها المعوذتان والفاتحة»، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: «لم يصح عنه أنها ليست من القرآن، ولا حفظ عنه، إنما حكها وأسقطها من مصحفه إنكارا لكتابتها، لا جحدا لكونهما قرآنا لأنه كانت السنة عنده، أن لا يكتب في المصحف إلا ما أمر النبي ﷺ بكتابته فيه، ولم يجده كتب ذلك ولا أمر به» يعني في علمه وظنه، وإلا فقد تيقن قرآنيتهما غيره من الصحابة، وحفظوهما، وكتبوهما في المصاحف كما صنع زيد ومن معه.
وذهب الحافظ ابن حجر إلى صحة ما روي عن ابن مسعود، وقال:
«قول من قال إنه كذب عليه مردود والطعن في الروايات الصحيحة بغير


الصفحة التالية
Icon