قال صاحب التبيان: وأما كتابته- أي المصحف- على ما أحدث الناس من الهجاء، فقد جرى عليها أهل المشرق بناء على كونها أبعد من اللبس، وتحاماها أهل المغرب بناء على قول الإمام مالك- وقد سئل: هل يكتب المصحف على ما أحدث الناس من الهجاء فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى قال في البرهان: قلت: وهذا كان في الصدر الأول والعلم حي غض، وأما الآن فقد يخشى الالتباس ولهذا قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: لا تجوز كتابة المصحف الآن على المرسوم الأول باصطلاح الأئمة لئلا يوقع في تغيير من الجهال، ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه لئلا يؤدي إلى درس العلم، وشيء أحكمته القدماء لا يترك مراعاة لجهل الجاهلين، ولن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة (١).
وهذا الرأي وسط بين المذهبين السالفين، ويقوم على رعاية الاحتياط للقرآن وتنزيه ساحته عن التغيير والتبديل بالإبقاء على الرسم العثماني الذي هو الأصل، وعلى رعاية التسهيل والتخفيف على العامة والناشئة، بكتابته على حسب ما يتيسر لهم ويتسهل عليهم، ولعله الأولى بالقبول.
(رأي جديد جدير بالبحث والنظر)
ومع أني مقتنع بالتزام التوقيف في المصاحف العثمانية، وأنه لا بد من الإبقاء عليه عند كتابة المصاحف وطبعها؛ ولكني أضع بين يدي القارئ هذا التساؤل:
أألخير في الإبقاء على هذا الرسم في المصاحف، والأجزاء، والكتب المؤلفة لطلبة المدارس؛ والمعاهد، والجامعات غير الدينية وفي الصحف، والمجلات ونحوها، على ما في ذلك من التعسير على القراء، ولا سيما هؤلاء الطلاب، وعدم التيسير عليهم في قراءة القرآن!
أم الخير في التزام الرسم العثماني، في المصاحف الكاملة، التي كتب فيها القرآن جميعه، والتي هي الحجة والمرجع عند الاختلاف والاحتكام،

(١) التبيان ص ١٧٨، البرهان في علوم القرآن ج ١.


الصفحة التالية
Icon